هو، عبد الله بن مصباح بن إبراهيم، ينتهي نسبه إلى إدريس الأكبر من أسباط الحسن بن علي، ولد بالإسكندرية سنة "١٢٦١هـ-١٨٤٣م"، فحفظ القرآن ولما يناهز التاسعة من عمره، وكان أبوه متوسط الحال فلما لاحت له مخابل نبوغه وأدخله معهد الإسكندرية١ الديني، فدرس فيه ما درس من العلوم الدينية واللغوية والعقلية، وأتقن فقه الشافعية والأصول والمنطق، وبرع في الأدب والعلوم اللسانية، وهو حدث باكر الشباب ونظم الشعر الرقيق والنثر المحكم الرصين، وما لبث أن طار صبته وذاعت شهرته، وتسابق أعلام الكتاب والشعراء إلى مساجلته ومطارحته، وكان رحمه الله جريئا ثبت الجنان يركب الأحداث، ويخوض الأخطار في سبيل مجده ورأيه، ثم بدا له أن يتعلم صناعة "البرق"، فلم تمض مدة وجيزة إلا وقد أتقن تعلمها وبرع فيها، وشغل إحدى وظائفها في مكاتب مختلفة، كان أبرزها مكتب "تلغراف"
١ كان معهد الإسكندرية إذا ذاك من المعاهد الدينية الحرة التابعة للأزهر يدرس فيها أزهريون، وتدرس فيها الكتب الأزهرية على طريقته، وهذه المعاهد هي دمياط وطنطا ودسوق، فلما نهض محمد عبده بالإصلاح امتحن طلابها وألحقهم بفرق يناسب معلوماتهم ومداركهم، وتعطي علماءها شهادة العالمية على أن يدرسوا في معاهد بلادهم، فحسب دون أن يتنقلوا إلى معاهد أخرى.