القصر العالي في عهد المغفور له "الخديوي إسماعيل باشا"، وعلى الرغم أن الأعمال ترهقه وتستبد بوقته كان يروى من العلم ظمأه، ويشبع من فنون الأدب نهمه، فيتردد ساعات فراغه على الجامع الأزهر يطالع الدروس مع رفاق الصبا ويفيد علما وأدبا، ومن أخص زملائه صحبة ودراسة المرحوم الشيخ حمزة فتح الله.
ثم استجد له ما استوجب فصله من عمله، فاتصل بجمهرة من الكبراء والعظماء، وكان له معهم ندوات أدبية مشهورة غشيها أعلام الشعر والأدب فناظروه وطارحوه، وكان أسطعهم نجما وأسبقهم غلبا.
ثم إنه نهج في الحياة نهجا آخر، فاضطلع بالتجارة عساه يجد فيها غنية ومتاعا. فأنشأ بالمنصورة متجرا نفقت سوقه، ودر ربحه إلا أن كرمه المتلف عبث برأس المال والربح معا، ولئن كانت تلك خسارة متجرة لقد كان له ربح أدبي خصب إذ آمه الأدباء والشعراء، وجعلوا من المنتجر منتدى يتسامرون فيه، ويتساقون من الآداب كؤسا مترعات.
حياته السياسية:
عاد النديم إلى الإسكندرية في أوائل سنة ١٨٧٩م، فبدأ حياته السياسية التي كان له هواه، وكان أول اتصاله بها أن اجتمع بصديقين وفيين له هما "محمود أفندي واصف" أحد اللذين جمعوا كتاب "سلاقة النديم"، ومحرر جريدة العدل "ومحمد أفندي أمين" كبير كتاب محكمة أسيوط الأهلية إذ ذاك، وكانا حينئذ من مؤسسي جمعية "مصر الفتاة"، فكان الأول نائب رئيسها والثاني كاتم أسرارها، كما اجتمع بكثير من أعضاء هذه الجمعية، فشرع يبث أفكاره في جريدتي "مصر""والتجارة"، ولما رأى أن جمعية مصر الفتاة سرية، ويخشى عليها من الحكومة أوحى إلى أصدقائه بالانفصال عنها، وإذ ذاك حدثهم في إنشاء جمعية سافرة واضحة الأغراض تعمل لنفع مصر والمصريين، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، فاستمع الأصدقاء وكثير من الناس