وهذه هي الثورة الوطنية التي قامت سنة ١٩١٩ لتحرير البلاد من رق الاستعباد كان الأزهر نارها ونورها، وكان خطباؤه أعلام الجهاد ومشاعل الفكر، ففي جنبات الأزهر كان صيال بالخطاب يعتلي المنبر شاب الأزهر وشيوخه، فيقولون ما شاءت لهم البلاغة، وما تفجرت منهم الفصاحة حتى غدا الأزهر، وهو كما يصفه شوقي بك.
عين من الفرقان فاض نميرها ... وحيا من الفصحى جرى وتحدرا
كان الجموع تفد إليهم تستشرف لخطبهم، وتتلع الأعناق لرأيهم، ويستمعون إلى بيانهم المقنع ويلتقون عند رأيهم المؤمن، فإذا هم أمضى من السيف عزما لا يبالون في جهادهم بقوة في الأرض، ولا يضعف من نضالهم ما يتراءى لهم من الموت، ولا يتلمظ لهم من أفواه الردى.
تخرج في ثورة الأزهر فحول من الخطباء الأفذاذ الذين امتازوا بفصاحة اللسان، ومتانة الأسلوب وقوة الحجة وغزارة البيان، وكانوا زعماء الفكر وعنوان الجهاد وقادة الرأي، وأبطال السياسة من أمثال سعد والهلباوي ومصطفى القاياتي، وعبد الباقي سرور ومحمود أبي العيون وزكي مبارك، وعلي الزنكلوني رحمهم الله ومن هؤلاء كذلك الأستاذ محمد عبد الطيف دراز، ولا يزال الأزهر إلى اليوم كلمة الأمة، وكعبتها التي تحج في الأحداث والمحن، وكلما حزب البلاد أمر نهض أبناؤه المقابل يدفعون الغوائل، ويذودون عن حمى الوطن يعينهم بيانهم الغزير، وتمدهم فصاحتهم الدافقة.