رضاه والغاضب الذي نخشى أن يحر غضبه علينا غضب الله، وهو القدوة الذي يتبع في فعله، ويتيمن برأيه، ويرجع إلى قوله، فلا أظن أن يرضى بأن يمزق في مجلسه أديمي، ويستباح ما حرم الله من عرضي، وأقذف بما أوجب الله فيه الحد وينتهك من حرمتي ما الله يعلم أنني منه براء، ولو شاء لعاملني بقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ} -الآية- "فوضح له الحق الذي لا يجهله والرشد الذي لا ينكره، وعلم أن من وسموا أنفسهم بتتبع العثرات، وكشف العورات إنما صنعوا هذا الصنيع حين علموا أن النقلة أمثالهم، والسفلة أشباههم أشاعوا عني لهذه الحضرة سابقا أني أسأت الأدب بشعر صنعته، وهجو قلته فانتهزوا هذه الفرصة الآن، وذهبوا مذهبا آخر يغبرون في وجه الحق، ويدفعون في صدور اليقين، والله من ورائهم محيط ... إلخ.
وإنه وإن كان السجع يتمثل في مثل هذه الكلمة تجد أنه سجع مطبوع لا يتسم بسمة التكلف والقصد، ولا يطلبه الكاتب على تكره واستعصاء، وقد يبذل جهدا في طلب السجع، ويحرص عليه لكن ذلك غير ملتزم في الموضوع كله، ولا ينفر الذوق منه، أو تنبو الأسماع عنه، كما قال في رسالة أرسلها لبعض أصدقائه الشيوخ يستعطفه، ويطلب مساعدة محتاج في طلبته.
أخي - أبى الله إلا أن أكاتبك إذا عرضت مهمة، وعنت حاجة، كلمة بالغة، وقدر لا مفر منه ومحنة منيت بها، وسمتني بميم الجفاء، الذي طالما كنت أنبو عنه، ولعل اعترافي بجنابتي يوصلني للإغضاء عنها، وهنا أعجل بعرض حاجتي.
رافع هذا "فلان" كاده الشيطان من "فلان" بالخبل الخابل، والبلاء النازل العاجل، والداهية التي تصفر منها الأنامل، فلم يستجب لراق ولم ينفع في سمه درياقي، فسدت في وجهه السبل وأعيته الحيل، إلا ما كان من الأمل في الأستاذ الأعظم شيخ الجامع الأزهر، فرغب إلي في مخاطبتكم فأجبته مستمنحا شافعا لجوابكم السابق، وواجب مساعدته بما في الوسع، وقد نبهتك ورقدت، ودعوتك للخير وما دعوناك له إلا أجبت والسلام.