من ذلك إلا الهين المقتصد، وذلك هو الذي حضهم على أن يخفوا عن الناس شعرا أو دعوه مكنون صدورهم، ومجلى أخيلتهم وخفقة أفئدتهم، وجعلهم يشعرون بأن من الشعر ما هو عورات يجب أن تستر، واستهتار لا ينبغي أن يظهر.
وهذا هو "السيد عبد الله نديم" الأزهري الخطيب الكاتب الشاعر تبحث عن شعره الذي تدفقت به شاعريته الفياضة، فلا تهدتدي إلا إلى غيض من فيض وقل من كثر حدث الأستاذ "أحمد سمير المترجم له في صدر مختاراته المعروفة "بسلافة النديم"، أن له ديوانين منظومين يشتملان على سبعة آلاف بيت.
ويقول في تصديره للسلافة، "ولما كان في يافا أول مرة بعث إلى محررًا يكلفني به أن أطلب "ديوان شعره الصغير" من صديقه المرحوم "عبد العزيز بك حافظ"، فلما قصدته وجدته مصابًا في قواه العقلية بما لم يدع للطب مجالا، ثم كتب إلى ثانيا بأن ديوانه الأوسط عند "م. بك. ف"، فطلبته منه فاعتذر بأنه ضاع، فلما أنبأت المترجم بذلك أرسل إلي في مكتوبه الثالث أنه إنما طلبهما ليحرقهما براءة منهما، ومن أمثالها؛ لأن فيهما هجوا كثيرا، وختم المكتوب بهذه العبارة، "وقد خلعت تلك الثياب الدنسة، وليست ثوب:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} ".
ذلك هو رأي أحد علماء الأزهر في الشعر، وتلك هي نظرته له فالهجاء في نظره رجس والملاحاة في رأيه ثوب من الدنس، ومن ثم فهو يريد أن يحرق هذا الشعر، وأن يجعل هذه الثروة القيمة حطبا للتاركي يذهب الله عنه الرجس ويطهره تطهيرًا.
وهذا شاعر آخر من شعراء الأزهر الفحول، وهو المرحوم "الشيخ علي الليثي" يلعن من يطبع ديوانه المخطوط المحفوظ؛ لأنه يخشى حسابه على ما أودعه من قول يزعم أن فيه منافاة للورع والتقية.