ولعلي لم أسمع أن شاعرا آخر معاصرا غير أزهري طاوعته نفسه أن يحرق شعره؛ لأن فيه هجوا، وملاحاة مهما كان شعره من الغثاثة، والضعف والانحلال طلبا للتطهير وبعدا من الرجس والدنس، ولعلي أيضا لم أسمع أن شاعرًا آخر غير أزهري لعن من يطبع ديوانه المخطوط المحفوظ لسبب من الأسباب.
بل إن كثيرًا من الشعراء غير الأزهريين يقيمون حول شعرهم ضجة هائلة من الدعاية والترويج، ويجتهدون في طبع شعرهم محتالين على أرباب اليراعات أن يقدموا دواوينهم بعبارات التقريظ، والإطراء المبالغين، بل إن كثيرا من الشعراء غير الأزهريين يسعون لدى الشفعاء أن يتوسطوا لطبع لشعرهم، وعساهم ألا يقتصروا على طبع الشعر، بل يقدموا لكل قصيدة بصورة رمزية تمثل فتاة عارية أو صبيا ضارعا، أو منظرا مسرفا في فحشه وخلاعته، ويرى الأستاذ العقاد أن القدوة عند شعراء الأزهر في هذا المذهب ما يروى عن الإمام الشافعي، إذ يقول:
ولولا الشعر بالعلماء يزري ... لكنت اليوم أشعر من لبيد١
وقد يكون القدوة عندهم في ذلك ما حكم الدين به على الشعر، فهم يعلمون أن الإسلام إنما جاء بالجد الذي يحض على الثواب في الآخرة، ويحرم على المسلمين فضلا عن علمائهم الكذب في القول، وإشاعة الفاحشة، وقذف المحصنات والحديث عن الخمر والمحرمات، والولوع في الأغراض، وتأريث العداوات.
وهم يعلمون أن الله نزه محمدا صلى الله عليه وسلم عن الشعر، فقال:{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ} ، وأن الله ذم الشعراء بقوله:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يمتلئ جوف