للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحدكم فيريه خير له من أن يمتلئ شعرا.

وهم يعلمون أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن من البيان لسحرا وإن من الشعر حكما"، وأنه خلع على كعب بن زهير بردته التي اشتراها منه معاوية بثلاثين ألف درهم، وتوارثها الخلفاء من بعده يلبسونها في الجمع والأعياد.

وأنه كان يكثر من استنشاد الخنساء في رثاء أخيها صخر، ويقول: "هبه يا خناس"، وأنه دعا إلى الشعر واستعان به في دعوته، واتخذ حسان شاعرا له ينافح عنه، وكان يقول له: "شن الغارة على بني عبد مناف، فوالله لشعرك أشد عليهم من وقع الحسام في غبش الظلام"، وأنه استحسن شعر النابغة الجعدي ودعا له، وذلك حيث يقول النابغة: "أنشدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قولي:

بلغنا السماء مجدنا وجدودنا ... وإنا لنبغي فوق ذلك مظهرا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أين المظهر يا أبا ليلى؟ " فقلت: الجنة يا رسول

الله، فقال: أجل إن شاء الله. ثم قال: أنشدني -فأنشدته قولي:

ولا خير في حلم إذا لم تكن له ... بوادر٢ تحمى صفوه أن يكدرا

ولا خير في جهل إذا لم يكن له ... حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أجدت لا يفضض الله فاك"، قال الراوي: فنظرت إليه فكأن فاه البرد المنهل ما سقطت له سن، ولا انفلت٣ ترف غروبة٤.


١ وروى القيح جوفه كوعي أفسده، وروى فلان فلانا أصاب رثته.
٢ بوادر جمع بادرة وهي الحدة، أو ما يبدر من الإنسان عند الحدة من الخفة إلى الانتقام بالقول أو الفعل.
٣ انفلت انثلمت -ترف تبرق وتلمع- غروب الأسنان ماؤها وظلمها.
٤ دلائل الإعجاز ص١٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>