وشاء الله أن يقيض لمصر من فل حد الظلم ورد كيد البغي، وأثار في الأمة روح الذود والنضال، فهبت تسترد مجدها وتعيد ما غصب من حقها، وكان في طليعة هؤلاء الذين هبوا في وجه البغاة باعث النهضة وبطلها الأول المرحوم "مصطفى كامل" صاحب "اللواء" و"العلم" وغيرهما من الصحف فقد كان جذوة من الشعور الثائر، والجهاد المتقد.
اتخذت الخطابة في هذه الفترة شتى المظاهر، ومختلف الألوان والأساليب فهذه خطب سياسية قارصة وتلك أندية أدبية واجتماعية وعلمية يقوم بها الخطباء والمحاضرون في الأدب والاجتماع والعلم، ويرودها من الأمة وشبابها طوائف وأشتات، فكثرت المرانة على القول، وتخرج في هذه المدارس خطباء مصاقع هذبوا العبارة وجودوا الأساليب.
وكان من مظاهر الخطابة أيضا التقاضي أمام المحاكم والمساجلات التي تجري بين هيئة الدفاع والنيابة، فقد كانت أسواقا تزخر بالأساليب القوية والحجج الدامغة والمنطق الرصين، كما كان من مظاهرها التمثيل الذي يدور في كثير من مواقفه على الأسلوب الخطابي الفصيح ليؤثر في النفوس، وتذعن للغرض النبيل الذي تدعى إليه.
وفي سنة ١٩١٩م اندلعت نار الثورة الوطنية في مصر، فألهبت الخواطر وأرهفت الحس واستدعت الأحكام العرفية والسيوف المصلتة على الرقاب أن يفزع أولوا الغيرة على الوطن النافرون من البغي، فصالوا بالقول وجالوا بالخطاب وألهبوا العزائم وخلقوا من الأمة جمرات تتقد، هذه الثورة حلت الألسن من عقالها وسلت من البيان سيوفا مواضي. وكان الأزهر منبرها وأبناؤها لسنها المقاويل، وسعدت مصر في هذه الفترة بالخطباء الفحول.
ثم قدر لهذه الثورة أن تسكن أولئك الفورة أن تهدأ، واستقر نظام كان مضطربا وانقشعت الحماية عن مصر وعبد الطريق لاستقلال لا نزال نمضي في سبيله ونجهد لنيله، واستجدت للخطابة مظاهر أخرى كان من بينها المناضلة