للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ووكده طول حياته أن ينهض بالأزهر والوطن إلى مدارج الحياة الرفيعة، ومراقي العزة والكمال، وقد كان في الثورة العرابية، كما يقول اللورد كرومر روحا مدبرة للحركة، إلا أنه كان في رأيه منافيا للزعماء العسكريين، وحاول مخلصا بكل قواه أن يدير الحركة إلى ما فيه صلاح البلاد بأسلوب مثمر، وطريق منتج، وقد وصف السيد رشيد موقفه في دقة وإيجاز، فقال: "كان خصما للثورة العرابية، وإن كان الروح المحركة للحركة العقلية١"، ثم قال: إن الشيخ محمد عبده كان أول أمر هذه الثورة كارها لها منددا بزعمائها، وهو بينهم؛ لأنه كان يعلم أنها تحيط عمله الذي مضى فيه، وكل إصلاح تعمله الحكومة أو تنويه، وأنها تمهد الأجانب سبيل الاستيلاء على البلاد".

ولما أخفقت الثورة قبض عليه مع زعمائها، وسيقوا إلى المحاكمة فحكم عليه بالنفي ثلاث سنين بعد أن حبس ثلاثة أشهر، ومنع من العودة حتى تأذن له الحكومة بذلك٢، ويروي "جورجي زيدان" أنه نفي؛ لأنه أفتى بعزل الخديو "توفيق باشا"، وروى الرواية نفسها٣، وترى "الجورنال دي كير" أنه نشر الفتوى.

بارح "محمد عبده" مصر ميما وجهه شطر سورية، وبعد أن أقام نحو عام في "بيروت" كتب إليه "جمال الدين"، وكان في "باريس" أوائل سنة ١٨٨٣م، يدعوه للعمل معه فيما سماه "المسألة المصرية٤"، فلحق به حيث


١ المنار ج٨ ص٤٦٧.
٢ المنار ج٨ ص٤١٦ يقول بلنت ص١٤٥ لما قدمت فرنسا وانجلترا مذكرتهما المشتركة في ٨ يناير سنة ١٨٨٢، وجد المصريون أنفسهم متحدين لأول مرة، وانضم إلى المتطرفين منذ ذلك الحين الشيخ محمد عبده من الأزهريين الذين كانوا يدعون إلى الإصلاح في روية وأناة.
٣ تراجم مشاهير الشرق ج١ ص٣٨٢.
٤ المنار ج٨ ص٤٥٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>