سلف من الزمان, تساوت معظم النظم الجامعية التي لا تُضَيِّقُ على الطلاب في دراستهم, والتي تقوم على الحرية الفردية؛ فتعدهم لحياة الرجال التي تنتظرهم, فوق أنها ترهف الأذهان, وتفسح الملكات, وتطبع العقول على التفطن لما دق من الأفهام, وخفى من الأغراض.
هذا إلى أن إجالة الفكر, وتقليب الرأي, تساعد على قوة الحجة, والرصانة في الجدل, والاقتدار على المحاورة, ومحاجة الخصم, والثبات للبحث المتشعب, والصبر على التفهم العميق, وهذه الطريقة في التعليم هي التي أشاد "سعد زغلول" بذكرها, فقد قال في خطبة ألقاها بالأزهر, بعد عودته من أوربة سنة ١٩٢١م:
"جئت اليوم لأؤدي في هذا المكان الشريف فريضة صلاة الجمعة, وأقدِّمُ واجبَ الاحترام لمكانٍ نشأت فيه, وكان له فضل كبير في النهضة الحاضرة, تلقنت فيه مبادئ الاستقلال؛ لأن طريقته في التعليم تربي ملكة الاستقلال في النفوس؛ فالتلميذ يختار شيخه, والأستاذ يتأهل للتدريس بشهادةٍ من التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول كل نابغ فيه, ومتأهل له يوجه إليه كل منهم الأسئلة التي يراها, فإن أجاب الأستاذ, وخرج التلميذ ناجحًا من هذا الامتحان, كان أهلًا لأن يجلس مجلس التدريس, وهذه الطريقة في الاستقلال التي تسمى الآن خللًا في النظام, جعلتني أتحول من مالكيّ إلى شافعيّ؛ فقد وجدت علماء الشافعية في ذلك الوقت أكفأ من غيرهم١".
ومما عرف المدرس باتباعه في إلقاء الدرس, أن يستهلَّ بالبسملة, والحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم، ثم يقرر الدرس بأن يقرأ بنفسه, أو يستقرئ أحد النبهاء من طلابه, وتراه متمكنًا من مادته, مترسلًا في أدائه, فصيحًا في عبارته, مطربًا في نغمته.
ولم تكن أوقات الدروس في ماضي الأزهر محدودةً بأوقاتٍ معينةٍ, بل
١ سعد زغلول للعقاد ص٦١.