مناهجها ونظمها، وعكف على إعداد ميزانية هذا المعهد، وأعد العدة لوجوده وعرض الأمر على الخديو "عباس"، فوافق على تفكير الشيخ الذي يتطلب من مال الدولة سبعة آلاف جنيه، واختار جامح "أبي العباس" مكانا للدراسة، وأعلن قبول الطلاب بامتحان يحرر لهم، فأمه النشء من كل صوب، ولم يهل أول العام إلا وعلى مقاعده ثلاث مائة طلب، وكان خلف "أبي العباس" فراغ تابع لمصلحة البحرية، فارتأى الشيخ أن يقيم عليه مساكن للطلاب، وتفضل الخديو بتنفيذ رغبته، كما اتجه إلى إقامة بناء فخم يضم طلبة المعهد، وإدارته فطلب من البلدية قطعة أرض تبلغ ١٨ ألف متر بجهة "الورديان"، وإذ تقوم في طريق مشروعاته العقبات، وتقف في مجرى إصلاحه السدود يجد من لباقته البارعة، وحيلته الواسعة، وعطف ولي الأمر ما يمضي به إلى النجاح قدما.
أذكى الشيخ في هذا المعهد نهضة علمية متوثية، وبث في الطلاب روح الجد والمثابرة، وقام على شئونهم بعزيمة نافذة، وفكر موفق، فألف الطلاب النظام ودرجوا عليه، والأساتذة ضبط المواعيد ورعوا حدودها، وواظبوا على إلقاء الدروس، وتنظيم ساعات العمل، والتقيد بمنهاج مرسوم١.
وكان يرفع كل عام تقريرًا عن أعماله لولي الأمر أولا، ولمن يهمهم التعليم الديني ثانيا يعد هذا التقرير بنفسه، ويصوغ بأسلوبه، ويتحدث فيه عن الامتحان والمتقدمين له، والناجحين فيه وبضمته خطبتة التي يلقيها في نهاية العام الدراسي، ويوضح في مناهج الدراسة مما يدل على فهمه، وتمكنه من أساليب التربية والتعليم.
من سننه الحميدة في الإسكندرية أنه كان يقيم آخر العام الدراسي حفلا جامعا تمنح فيه الجوائز للناجحين، وكان يوزعها عليهم نائب الخديو، أو رئيس مجلس النظار حثا للطلاب، وتشجيعا لعزائمهم، ويظهر حبه الأدب في إيثاره