وقد قام برحلة إلى الصعيد، وجال في كثير من قراه ومدنه متفقدا الدراسة الدينية في مساجد توطئة لإنشاء معاهد دينية تتبع الأزهر وتخضع له، وقد نفذ ذلك بإنشاء معهدي أسيوط وقنا.
ولما شرع قانون الأزهر في سنة ١٩١١م، وأنشئت فيه "هيئة كبار العلماء" كان أحد أعضائها، وظل يرفع صوته مناديا بالإصلاح مدافعا عن الوطن بما خلد في العاملين ذكره.
وفي سنة ١٩١٣م أنشئت الجمعية التشريعية، وكان قد زهد في المناصب لما يجد فيها من العناء، وما يرتصد له من سعي السعاة وكيدهم، ولم يكن يستطيع أن يطلب إحالته إلى المعاش إذ كان في السابعة والأربعين من عمره، وذلك ما لم يبحه القانون، فاهتيل إنشاء هذه الجمعية فرصة، وحدث "محمد سعيد باشا" ناظر النظار إذ ذاك، وكان صديقا له فعين عضوا بها.
ولما اشتعلت الثورة المصرية سنة ١٩١٩م، صال فيها وجال ذكاها بقلمه ولسانه، ورأيه حتى إذا وافت سنة ١٩٣١م أعرضت عنه الدنيا، ولزم داره لمرض "الفالج" الذي أصابه، وظل ينتظر المنون حتى دعاه مولاه، فلباه في صباح الخميس الحادي عشر من جمادى الأولى سنة ١٣٥٨هـ، الموافق التاسع والعشرين من يونية سنة ٩٣٩ غفر الله له، وأكرم في جنته مثواه.
وكان رحمه الله وثيق الدين، طيب الخلق، مخلصا في عمله، جريئا في رأيه، كما كان فقيها ضليعا في الفقه وأسراره، واسع الأفق في تفسير كتاب الله مدركا لدقائقه متفطنا لكريم مغزاه متمكنا من الأصول والمنطق والحديث، وله في كل ذلك لفتات دالة على بعد غورة، وصفاء ذهنه.
وقد ديج بقلمه الرشيق الدقيق، بحثا ضافيا سماه "القول الفصل" في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، وهو مجموعة من مقالاته الممتعة التي نشرها