"هذا العلم لا موضوع له ينظر في إثبات عوارضه أو نفيها، وإنما المقصود منه عند أهل اللسان ثمرته، وهي الإجادة في فني المنظوم والمنثور على أساليب العرب ومناحيهم، فيجمعون لذلك من كلام العرب ما عساه تحصل به الكلمة من شعر عالي الطبقة، وسجع متساو في الإجادة، ومسائل من اللغة مبثوثة أثناء ذلك متفرقة يستقري منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية١.
على أن هؤلاء الذين نعقد لواء هذا البحث لهم، ونتحدث في هذا الوضع عنهم، لم تكن اللغة وحدها مناط نبوغهم، ومجال تبريزهم، والسمة التي استموا بها وحدها، فهم أدباء مبرزون، وأعلام في البيان مجلون، وما فيهم إلا من هو شاعر معروف أو كاتب مشهور، إلا أن النزعة اللغوية ظهرت في أدبهم، وغلبت على آثارهم، وكانت لهم باللغة شهرة وفي ميدانها سبق، ومن ثم أفردناهم بعنوان وخصصناهم ببحث -وقد جعلناهم بين الكتاب والشعراء لما أنهم واسطة العقد تتنازعهم الناحيتان، ويشرف بهم الفنان معا.
هذا وقد سبق لنا الحديث عن جمهرة من المضلعين في اللغة العربية وعلومها فيما بعنوان "الأزهر والتصحيح"، لما أن تصحيحهم الكتب والصحف كان أظهر آثارهم.
وسنترجم لأشهر اللغويين الأدباء مبينين فضلهم على النهضة الأدبية وآثارهم اللغوية، مرتبين الكلام عنهم حسب وفاتهم.