للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورابع في الآداب, وقد عُهِدَ برئاسته للعالم الكبير "المسيو منج" وبوكالته إلى بونابرت نفسه.

وقد أغلق هذا المجمع بجلاء الفرنسيين عن مصر, وفي سنة "١٨٥٩م" بعث هذا المجمع في "الإسكندرية" على يد جمهرةٍ من العلماء, ثم انتقل إلى "القاهرة" وهو بحيّ "المنيرة" بإزاء مدرسة التجارة العليا "سابقًا".

وقد كان هذا المجمع جادًّا في بحثه, مثابرًا في عمله, يصدر في كل ثلاثة أشهر نشرةً يشرح فيها ما انتهى إليه من بحثٍ, ثم نشرت صفوة هذه البحوث في أربعة مجلدات, كما نشروا في وصف مصر كتابًا جليل القيمة, وقع في مجلدات كثيرة١.

وقد دعاء الفرنسيون أثناء إقامتهم بمصر طائفة من علمائها وكبارها لمشاهدة علمهم الحديث, وما يجري في معهدهم مما هو غريب عن عيون المصريين, فكانت تملكهم الدهشة والعجب، ولا سيما حين رأوا التفاعل الكيمائيّ, وما يصنعونه من تجارب ظنها المصريون من ضروب السحر, وكان الشيخ "عبد الرحمن الجبرتي" بين من دعوا لمشاهدة هذه التجارب, فوصفها وعبَّر عن دهشته لها٢.


١ المفصل في تاريخ الأدب العربي ج٢ ص٢٨٨.
٢ مما يقوله في ذلك: "ومن أغرب ما رأيته في ذلك المكان, أن بعض المتقيدين لذلك أخذ زجاجةً من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة, فصب منها شيئًا في كأس, ثم صبَّ عليها شيئًا من زجاجة أخرى, فعلا الماءان, وصعد دخان ملون حتى انقطع, وجفَّ ما في الكأس, وصار حجرًا أصفر, فقلبه على البرجات حجرًا يابسًا أخذناه بأيدينا ونظرناه.
فعل كذلك بمياهٍ أخرى, فجمد حجرًا أزرق, وبأخرى فجمد حجرًا أحمر ياقوتيًّا, وأخذ مرةً شيئًا قليلًا جدًّا من غبار أبيض, ووضعه على السندال وضربه بالمطرقة بلطف, فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة, انزعجنا منه, فضحكوا منا, وأخذ مرةً زجاجةً فارغةً مستطيلةً في مقدار الشبر, ضيقة الفم, فغمسها في ماء قراح, موضوع في صندوق من الخشب, مصفح الداخل بالرصاص, وأدخل معها أخرى على غير هيئتها, وأدخلهما في الماء, وأصعدهما بحركةٍ, انحبس بها الهواء في إحداهما, وأتى آخر بفتيلة مشتعلة, وأبرز ذلك في فم الزجاجة من الماء, وقرب الآخر الشعلة إليها في الحال, فخرج ما فيها من الهواء المحبوس, وفرقع بصوت هائل أيضًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>