ثم رأى أن يزاول التعليم، فعين في سنة ١٨٨٨م بمدرسة الألسن ثم مدرسا بمدرسة دار العلوم العليا، وتخرج عليه طائفة من المضلعين١ في اللغة والأدب.
وفي سنة ١٩١٠م عين مفتشا أول للغة العربية، وظل كذلك إلى أن خرج بحكم الستين في سنة ١٩١٢م، فعكف على البحث والاطلاع والتقليب في كتب اللغة والأدب، حتى وافته المنية في إبريل سنة ١٩١٨م، بعد أن كان كف بصره.
أثره في اللغة والأدب:
كان رحمه الله حجة في اللغة متمكنًا من أصولها، وفروعها ملما بأسرارها، ودقائقها غيورًا عليها شديد الحفاظ لها يلتزمها في حديثه مع جميع الناس حتى مع خادمه، ولم ينزل عن غريبها في جميع ما كتبه من شعر، أو نثر، أو حديث أو مراسلة أو تقرير، حتى كان بعض الأدباء يضع بعض النوادر في أسلوب غريب، وينسبها إليه لتلصق به.
وكان شديد الحفظ قوي الذاكرة ملما بطائفة عظيمة من شعر الفحول، وقصصهم، وأحاديث السلف وما يتعلق بهم، فما تذكر له حادثة إلا يفيض في تقريرها، وبيانها والتعليق عليها، والانتقال منها إلى أخرى مشابهة لها.
هذا إلى عذوبة حديثه وصحة عبارته، وحلاوة محاضرته، وجمال دعايته، وما يتدفق منه من بيان، وعلم غزيرين.
وكانت له على المدرسين هيمنة واسعة، وإشراف دقيق في أثناء تفتيشه بوزارة المعارف، فقد كان يحاسبهم حسابا عسيرا على هفواتهم، ويرشدهم إلى زلاتهم، وينبههم إلى مواطن الخطأ والصواب حتى اضطرهم إلى مراجعة معاجم اللغة والبحث في مجفواتها، وما طال هجره من الألفاظ، فأخرج كنوزها