للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقليل الجهالة, ومن يوم أن انتزعت المدارس الإلزامية هؤلاء الصبيان من مكاتبهم, وهو خلو من حفظ القرآن, ضعفاء في معلوماتهم الناشئة، وقد رأينا ذوي الغيرة على كتاب الله يلجأون إلى إنشاء جمعيات للمحافظة على القرآن الكريم.

والذي نرمي إليه, أن أغلب القُوَّامِ على هذه المكاتب ممن استقوا معلوماتهم الأولى من الأزهر, ثم انقطعت بهم وسائل الحياة عن السير في الأزهر, واضطلعوا بهذه الرسالة المتواضعة التي ينشرونها في هذا المكتب الذي كان على أيّ حالٍ المدرسة الوحيدة التي تعد تلامذتها للالتحاق بالأزهر١.

ثم إن المرحلة الثانية للعليم بالمكاتب هي مرحلة التعليم بالمدارس الابتدائية, والمعاهد الدينية, وفي الأولى يقوم بتدريس اللغة العربية والدين مدرسون تخرجوا في دار العلوم، وهم في أغلب الأمر ممن اغتذوا بثقافة الأزهر, ويعاونهم فريق آخر في التعليم الأميريّ والحر من أبناء الأزهر.

وفي المعاهد الدينية التي تقوم على الأزهريين, يتفقه الناس في دينهم, وينالون حظًّا وافرًا من اللغة وآدابها, والعلوم الحديثة في كثير من فنونها التي حفل بها منهاج الأزهر منذ الإصلاح الأخير.

وهذه المعاهد هي المورد العذب الذي يمهد للتعليم العالي, الذي يتولى دراسة اللغة والأدب في مصر، وهو المعين الذي يمد الحياة العامة بثقافته وتوجيهه، ولولا هذا المعين المتدفق لنضح الجهل, وقصور الدين على هؤلاء الذين هم أعصاب القوى, والمقوِّمُون لأسباب الحياة فيها.

وفي المدن كثيرًا ما نرى السراة والأغنياء يقيمون في المساجد صورةً مصغرةً من الأزهر, يجلبون لها أساتذة من خريجيه, يدرسون لمن لم تمكنهم سعادة الحياة من النزوح إلى القاهرة لطلب العلم٢.

وكثيرًا ما يعمد هؤلاء السراة أيضًا إلى أبناء الأزهر بتثقيف أبنائهم الذين لم يتموا التعليم في المعاهد والمدارس؛ فيقوِّمُون ألسنتهم, ويصححون دينهم, ويهذبون لغتهم, ويمدونهم بقسط عظيم من ثقافتهم.


١ تاريخ التعليم في عهد محمد علي لعزت عبد الكريم ص١٣.
٢ تاريخ التعليم في عهد محمد علي لعزت عبد الكريم ص١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>