للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كنا نود أن نقع من بحث الباحثين ودراستهم لموضوع البعوث ما ينقع الغلة, ولكنه بحث انقبض عنه الكاتبون, وتضاربت فيه الأقلام، ولم نجد البيان الشافي الذي يحدِّدُ كل بعث, ويبيِّنُ أعضاءه وأغراضه وآثاره.

وإذا كانت النهضة في مستهلِّ عهدها قد اعتمدت على الأزهر, ولم تجد له معاونًا في احتمال هذه الرسالة الأدبية العلمية, فقد وجد في مصر من أبناء المعاهد والمدارس بعد أن اتسعت آفاق التعليم مَنْ شارك الأزهريين في ارتياد الغرب, ونقل آدابه وعلومه الغربية أغصانًا من دوحة الأزهر المباركة.

والذي نأسف له, ونجد أشدَّ الغضاضة في التصريح به, أن يرسل من معاهد مصر في نضج نهضهتا بعوث لا يمثل فيها الأزهريون إلّا قليلًا, وهم أشد العقول والقرائح اقتدارًا على حمل هذا العبء، وأيًّا ما كان, فقد اضطلع الأزهر بهذا العمل الجليل يوم أن كان وحده الناهض به, والقائم عليه, وحسبه فخرًا ومباهاةً أن يكون في مبعوثيه من الأبطال: "رفاعه بك رافع" في بداية النهضة ونشوئها, والدكتور: "طه حسين" في نضجها وارتقائها.

وحسب الأزهر فخرًا أن يهاجر أحد أبنائه منذ قرن, والثقافة خافتةٌ, والآداب العربية واهنة القوى, فهذا هو المرحوم الشيخ: "محمد الطنطاوي" الذي تطلع إلى آداب الغرب, واشتشرف إلى نوره بقبس منه مضىء, فوافاه الأجل, وحيل بينه وبين رسالته، نزح هذا العالم الأزهريّ منذ نحو قرنٍ تقريبًا إلى روسيا ليدرس الأدب العربيّ في جامعاتها, ووافاه الأجل وهو هناك, فدفن في الأراضي الروسية, ويوجد رسم "فوتوغرافي" لقبره في الخزانة التيمورية, وقد نقشت بعض عبارات بالعربية على شاهد القبر, تفيد هذا المعنى١.


١ المستشرق "أغناطيوس" أستاذ الأدب العربي بجامعة "لننجراد" ترجمة أمين حسونة النواوي في العدد ١٧٠ من مجلة الرسالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>