على الجزيرة وثغورها، فنفذ في سنة أربعين ومائة ومعه الحسن بن قحطبة في جنوده أهل خراسان، وضرب البعوث على أهل الجزيرة والشام فتوافى معه سبعون ألفا فعسكر على ملطية وقد جمع الفعلة من كل بلد فأخذ في بنائها، وكان الحسن بن قحطبة ربما حمل الحجر حتى يناوله البناء، وجعل يقول من سبق الى شرفة فله كذا حتى فرغ من بناء ملطية ومسجدها في ستة أشهر، وبنى لها مسلحة «٢٩٣» على النهر المعروف بقباقب، وهذا النهر يدفع في الفرات، فأسكن المنصور ملطية أربعة آلاف مقاتل من أهل الجزيرة، لانها من ثغورهم، على زيادة عشرة دنانير في عطاء كل رجل منهم، ومعونة مائة دينار، وبنى حصن قلوذية، وأقبل قسطنطين طاغية الروم في أكثر من مائة ألف رجل فنزل جيحان فلما بلغه كثرة المسلمين أحجم عن ملطية. ثم تعرضت الروم لها في أيام الرشيد فلم يقدروا عليها.
أما مرعش، فأن أبا عبيدة كان وجه، وهو بمنبج خالد بن الوليد، اليها، ففتح حصنها على ان جلا أهلها عنه ثم أخربه، وبنى مدينة مرعش وأسكنها جندا فلما كان موت يزيد بن معاوية كثرت غارات الروم عليهم فانتقلوا، ثم ان العباس بن الوليد بن عبد الملك صار الى مرعش فعمرها وحصنها ونقل الناس اليها وبنى لهم مسجدا جامعا، وكان يقطع في كل عام أهل قنسرين بعثا اليها فلما كانت أيام مروان بن محمد وشغل بمحاربة أهل حمص خرجت الروم فحصرت أهل مرعش حتى صالحهم أهلها على الجلاء فجلوا الى الجزيرة وجند قنسرين بعيالاتهم وأخربها الروم فلما فرغ مروان من أهل حمص بعث جيشا لبناء مرعش فبنيت ومدنت فخرجت الروم في فتنته فأخربتها فبناها صالح بن علي في خلافة المنصور، وحصنها وندب الناس اليها على زيادة في العطاء، واستخلف المهدي فزاد في شحنتها وتقوية أهلها.