ما من شكٍّ في أنَّ الاشتغال بطلب العلم وتحصيله، ومعرفة الحلال والحرام، ومدارسة القرآن الكريم، وتدبُّره، ومعرفة سنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته وأخباره هو خيرُ الذكر وأفضلُه، ومجالسه خير المجالس، وهي أفضل من مجالس ذكر الله بالتسبيح والتحميد والتكبير؛ لأنَّها دائرة بين فرض عين أو فرض كفاية، والذكر المجرّد تطوّع محض.
ولهذا فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفضيل العلم وتقديمه على العبادة، وتقديم العالم على العابد أنَّه قال:" وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب" خرّجه الإمام أحمد، والترمذي، وابن ماجه، وغيرهم من حديث أبي الدرداء١.
وقد تضمّن هذا الحديث مثلاً بديعاً يتضّح من خلاله مدى الفرق بين العالم والعابد، حيث شبّه صلى الله عليه وسلم العالم بالقمر ليلة البدر، أي ليلة الخامسَ عشر والتي فيها يكون نهاية كمال القمر وتمام نوره، وشبّه العابد بالكواكب، وفي هذا التشبيه سرٌّ لطيف نبّه عليه أهل العلم.
يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: "والسّر في ذلك والله أعلم، أنَّ الكوكب ضوءه لا يعدو نفسه، وأما القمر ليلة البدر فإنَّ نوره يشرقُ على أهل الأرض جميعًا فيعمّهم نورُه، فيستضيئون بنوره، ويهتدون به في سيرهم، وإنَّما قال على سائر الكواكب، ولم يقل على
١ المسند (٥/١٩٦) ، وسنن الترمذي (رقم:٢٦٨٢) ، وسنن ابن ماجه (رقم:٢٢٣) ، وصححه العلامة الألباني في صحيح الجامع (رقم:٦٢٩٧) .