روى الإمام مسلمٌ في صحيحه عن أبي وائل شقيق بن سلمة الأسدي قال:"غَدَوْنا عَلَى عَبدِ الله بن مَسْعود رضي الله عنه يَوْماً بَعْدَ مَا صَلَّينَا الغَدَاةَ، فسلّمنا بالباب، فأُذِن لنا، قال: فَمَكَثْنَا بالباب هُنيَّةً [أي انتظرنا وتريَّثنا قليلاً] قال: فخرجت الجاريةُ فقالت: أَلاَ تَدْخُلُونَ فدخلنا، فإذا هو جالسٌ يُسبِّح، فقال: ما منعكم أن تدخلوا وقد أُذِن لكم فقلنا: لا، إلاَّ أنَّا ظنَنَّا أنَّ بعضَ أهل البيت نائمٌ، قال: ظَنَنْتُم بآل ابن أمِّ عَبدٍٍ غَفْلَةً [يعنِي نفسَه فإنَّ أمَّ عبدٍ الهذلية أمُّه، وهي صحابيَّةٌ رضي الله عنه وعنها] قال: ثمَّ أَقبل يُسبِّح حتى إذا ظنَّ أنَّ الشمسَ قد طلعت، قال: يا جارية: انظري هل طلعت قال: فنظرت فإذا هي لَم تَطلُع، فأقبل يُسبِّح، حتى إذا ظنَّ أنَّ الشمسَ قد طلعت قال: يا جارية: انظري هل طلعت قال: فنظرت فإذا هي قد طلعت، قال: الحمد لله الذي أقالنا يومنا هذا، ولم يُهلكنا بذنوبنا"١.
إنَّ هذا الأثرَ يُعطي المتأمِّلَ صورةً واضحةً ودلالةً ناصعةً على تلك الحياة الجادَّة والهِمَّة العالية والاستثمار للوقت عند السلف الصالح رحمهم الله، ولا سيما الصحابةُ رضي الله عنهم وأرضاهم، مع فقهٍ منهم بالأوقات ومعرفةٍ لأقدارها والفاضلِ منها، وإعطاءِ كلِّ ذي حقٍّ حقَّه.
فهذا الوقتُ الذي دخل فيه أبو وائل - رحمه الله - ومَن معه على عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه وقتٌ مبارَكٌ وثمينٌ للغاية، وهو وقتُ ذِكرٍ لله وجدٍّ ونشاط وهمَّة في الخير، إلاَّ أنَّ كثيراً من الناس يُهملونه ويفرِّطون فيه ولا يعرفون له