لا ريب أنَّ الحمدَ كلَّه لله ربِّ العالمين، فإنّه سبحانه المحمود على كلِّ شيء، وهو المحمود على ما خلقه وأمر به ونهى عنه، والحمدُ أوسعُ الصفات وأعمُّ المدائح وأعظم الثناء، والطرقُ إلى العلم به في غاية الكثرة؛ لأنَّ جميعَ أسمائه تبارك وتعالى حمدٌ، وصفاته حمدٌ، وأفعاله حمدٌ، وأحكامه حمدٌ، وعدله حمدٌ، وانتقامه من أعدائه حمدٌ، وفضله وإحسانه إلى أوليائه حمدٌ، والخلق والأمر إنّما قام بحمده ووُجد بحمده وظهر بحمده، وكان الغاية منه هي حمده، فحمدُه سبحانه سبب ذلك وغايته ومظهره وحامله، فحمده روح كلِّ شيء، وقيامُ كلّ شيء بحمده، وسريان حمده في الموجودات وظهور آثاره أمرٌ مشهودٌ بالأبصار والبصائر.
وقد نبّه سبحانه على شمول حمده لخلقه وأمره بأنْ حَمِدَ نفسَه في أول الخلق وآخره، وعند الأمر والشرع، وحمد نفسه على ربوبيته للعالمين، وحمد نفسه على تفرّده بالإلهية وعلى حياته، وحمد نفسه على امتناع اتصافه بما لا يليق به من اتخاذ الولد والشريك إلى غير ذلك من أنواع ما حمد اللهُ به نفسه في كتابه.
ولهذا فإنَّ من الطرق العظيمة الدالة على شمول معنى الحمد وتناوله لجميع الأشياء معرفةَ العبد لأسماء الربِّ تبارك وتعالى وصفاته، وإقرارَه بأنَّ للعالَم إلهاً حيًّا جامعاً لكلِّ صفة كمال، واسمٍ حسنٍ وثناء جميل وفعل كريم، وأنّه سبحانه له القدرة التامَّةُ والمشيئةُ النافذة والعلم