لقد مرّ معنا بيانُ فضل ذِكر الله بذِكر أسمائه وصفاته الواردة في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما من ريبٍ في فضل ذلك وعِظم شأنه وكثرة عوائده وفوائده، وكم للاشتغال بهذا الأمر من الفوائد المغدقة والثمار اليانعة، والأجر الدائم والخير المستمر في الدنيا والآخرة، وهذا الفضل يرجع إلى أسبابٍ عديدةٍ، أهمُّها:
أوّلاً: أنَّ علم توحيد الأسماء والصفات أشرفُ العلوم وأفضلُها وأعلاها مكانةً وأجلُّها شأناً، وشرف العلم وفضلُه من شرف معلومه، ولا أشرف وأفضل من العلم بالله وأسمائه وصفاته الواردة في الكتاب والسنة، ولهذا فإنَّ الاشتغال بفهمه والعلم به والبحث عنه اشتغال بأشرف المطالب وأجَلِّ المقاصد.
ثانياً: أنَّ معرفة الله والعلم به تدعو العبد إلى محبّته وتعظيمه وإجلاله وخشيته وخوفه ورجائه وإخلاص العمل له، وحاجة العبد إلى هذا وتحصيله هي أعظمُ الحاجات وأفضلها وأجلها، قال ابن القيم رحمه الله:"وليست حاجة الأرواح قطُّ إلى شيءٍ أعظمَ منها إلى معرفة باريها وفاطرها ومحبّتِهِ وذِكره والابتهاج به، وطلب الوسيلة إليه والزلفى عنده، ولا سبيل إلى هذا إلا بمعرفة أوصافه وأسمائه، فكلَّما كان العبد بها أعلم كان بالله أعرف وله أطلب وإليه أقرب، وكلَّما كان لها أنكر كان بالله أجهل وإليه أكره ومنه أبعد، والله ينزِل العبد من نفسه حيث يُنزله العبدُ من نفسه"١. اهـ كلامه رحمه الله.