لقد مرّ معنا شيءٌ يسيرٌ من فوائد الذِّكر، وأنَّها كثيرةٌ لا تُحصى، وعديدةٌ لا تُستقصى، يعجز عن إحصائها المحصون، ولا يقدر على عدّها العادون، ولا يحيط بها إنسانٌ، ولا يُعبِّر عنها لسانٌ، كيف لا وهو من أجلِّ القُرُبات، وأفضل الطّاعات. وكم للذِّكر من فوائد مغدقةٍ، وثمار يانِعةٍ، وجنى لذيذٍ، وأكلٍ دائمٍ، وخيرٍ مستمرٍّ في الدنيا والآخرة.
ومجالسُ الذِّكر هي أزكى المجالس وأشرَفُها، وأنفعُها وأرفعُها، وهي أعلى المجالس قدراً عند الله، وأجلُّها مكانةً عنده.
وقد ورد نصوصٌ كثيرةٌ في فضلِ مجالس الذِّكر، وأنّها حياةٌ للقلوب، ونماءٌ للإيمان، وصلاحٌ وزكاءٌ للعبد، بخلاف مجالس الغفلة الّتي لا يقوم منها الجالسُ إلاّ بنقصٍ في الإيمان، ووَهاءٍ في القلب، وكانت عليه حسرةٌ وندامة.
وكان السَّلفُ رحمهم الله يهتمّون بهذه المجالس أعظمَ الاهتمام، ويعتنون بها غاية العناية، كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يأخذ بيد النفر من أصحابه فيقول:"تعالوا نؤمن ساعةً، تعالوا فلنذكُر الله، ونزدادُ إيماناً بطاعته، لعلّه يذكرُنا بمغفرته".
وكان عُمير بن حبيب الخطميُّ رضي الله عنه يقول: "الإيمان يزيد وينقص، فقيل وما زيادته ونقصانه؟ قال: إذا ذكرنا الله عز وجل وحمدناه وسبَّحناه فذلك زيادته، وإذا غفلنا وضيَّعنا ونسينا فذلك