للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩١ ـ الدلائل والمعاني المستفادة من رفع اليدين

لا يزال الحديث ماضياً في الكلام على رفع اليدين إلى الله عزَّ وجلَّ حال الدعاء، ذالكم الأدب الرفيع من المخلوق الفقير المحتاج مع ربِّه الغنيِّ الجواد الكريم؛ حيث يُظهرُ المخلوقُ برفعه يديه احتياجَه لربِّه، وافتقارَه إليه، وذُلَّه، وخضوعَه وانكسارَه بين يدي ربِّه، وكلَّما عظمت حاجة المخلوق واشتدت رغبتُه وزاد إلحاحُه بالَغَ في رفعه يديه وزاد في مدِّهما إلى الله متذلِّلاً متوسِّلاً، ولهذا لَمَّا كان دعاءُ الاستسقاء فيه من الرغبةِ والإلحاح ما ليس في غيره كان رفعُ النبي صلى الله عليه وسلم وإشارتُه فيه أعظمَ منه في غيره، وفي ذلك أعظمُ دلالة على توحيد الله وتعظيمه وتكبيره والإيمان بعلوِّه على خلقه وقيُّوميَّته، وغِناه الكامل عنهم وافتقارهم واحتياجهم إليه، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمْ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ} ١، وقال تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ} ٢.

ففي رفع اليدين إلى الله إقرار بقيوميّته الله جلَّ وعلا، وأنَّه قائم على كلِّ شيء، وقائم على كلِّ نفس، وأنَّه المدبِّر للأمور كلِّها، والمتصرِّف في الخلائق جميعهم، ومَن كان كذلك فهو المستحقُّ أن يُؤْلَه ويُعبد ويُصلّى له ويُسجد، وهو المستحقُّ نهاية الحبِّ مع نهاية الذُّلِّ لكمال أسمائه وصفاته وأفعاله، وهو المُطاع المعبود وحده على الحقيقة {ذَلِكَ


١ سورة فاطر، الآية: (١٥) .
٢ سورة الرعد، الآية: (٣٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>