لا يزالُ حديثُنا موصولاً ببيان ضوابط الدعاء المشروع الذي كان عليه سيِّد الأنبياء والمرسَلين، واتَّبعه فيه سادات الأولياء والصالحين من الصحابة والتابعين، وهو وحده المقبول عند الله، دون ما أحدثه المحدثون، وأنشأه المتكلِّفون، ممن هجروا الأذكارَ المشروعة، والأدعيةَ المأثورة، واستبدلوها بسماعات مبتدَعة، وتعبدٍ بإنشادِ أشعارٍ، وأراجيزَ محدثةٍ اتَّخذوها أوراداً، ووظَّفوا لها أوقاتاً، وادّعوا أنَّ تأثيرها في القلوب أبلغُ، وتحريكَها للنفوس أقوى، فمالت لها قلوبُهم، واطمأنَّت إليها نفوسُهم، وآثروها على الأذكار المشروعة والأدعية المأثورة.
وما مِن ريبٍ أنَّ هذا حدَثٌ في الدين، ومخالفةٌ لِهَدي سيِّد الأنبياء والمرسلين، والنقولُ عن أهل العلم في ذمِّ ذلك، والتحذيرِ منه، والنهيِ عنه، وبيانِ أنَّه من البدع المحدَثة كثيرةٌ جداًّ.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:" خرجتُ من بغداد وخلَّفتُ بها شيئاً أحدثه الزنادقة، يُسمّونه التغبير، يصدّون الناسَ به عن القرآن ".
والتغبيرُ ذكرٌ أحدثه هؤلاء بنوعٍ من التغنّي بالشعر مع ضربِ قضيبٍ على جلدٍ أو نحوِ ذلك.
ولَمَّا سُئل عنه الإمامُ أحمدُ رحمه الله، قال:" بدعةٌ محدثةٌ "١.
١ انظر: كتاب الكلام على مسألة السماع لابن القيم (ص:١١٩ ـ ١٢٨) .