للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مكانتَه وقدرَه، فهو ضائعٌ إمَّا في النّوم، أو في الكَسَل والفتور، أو بشغله في التوافه من الأمور، مع أنَّ أوَّلَ اليوم بمنْزلة شبابه، وآخرَه بمنزلة شيخوخته١، ومَن شبَّ على شيءٍ شاب عليه، ولهذا فإنَّ ما يكون من الإنسان في باكورة اليوم وأوَّله ينسحب على بقيَّة يومه، إن نشاطاً فنشاطٌ، وإن كسلاً فكسل، ومَن أمسك بزمام اليوم وهو أوَّلُه سلم له يومُه كلُّه بإذن الله وأُعين فيه على الخير، وبُورِك له فيه، وقد قيل: "يومُك مثل جملك إن أمسكتَ أوَّلَه تبِعَك آخرُه"، وهذا المعنى مستفادٌ من أثر ابن مسعود المتقدِّم، فإنَّه رضي الله عنه لَمَّا تحقَّق له حفظُ أوَّل اليوم بالذِّكر قال: "الحمدُ لله الذي أقالَنا يومَنا هذا ولم يهلكنا بذنوبنا".

بل إنَّ المحافظةَ على الذِّكرِ في هذا الوقت يُعطي الذَّاكرَ هِمَّةً وقوَّةً ونشاطاً في يومِه كلِّه، يقول ابن القيم رحمه الله: "حضرتُ شيخَ الإسلام ابنَ تيمية مرَّةً صلّى الفجرَ، ثم جلس يذكرُ اللهَ تعالى إلى قريب من انتصاف النهار، ثم التفتَ إليَّ وقال: هذه غدوتِي، ولو لَم أتغذَّ هذا الغِذاءَ سقطت قوَّتِي، أو كلاماً قريباً من هذا". اهـ٢.

وقد ثبت في السُّنّة أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم دعا اللهَ أن يُبارك لأمَّتِه في هذا الوقت، فقد روى أبو داود والترمذي والدارمي وغيرُهم عن صخر بن وَداعة الغامديِّ رضي الله عنه: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اللَّهمَّ بارِك لأمَّتِي في بكورِها "، وكان إذا بعث سريَّةً أو جيشاً بعثهم أوَّلَ النهار، وكان صخرٌ رضي الله عنه تاجراً، فكان يبعثُ تجارتَه من أوَّلِ النهار، فأثرى وكثُر مالُه٣.


١ مفتاح دار السعادة لابن القيم (٢/٢١٦) .
٢ الوابل الصيب (ص:٨٥ ـ ٨٦) .
٣ سنن أبي داود (رقم:٢٦٠٦) ، وسنن الترمذي (رقم:١٢١٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>