للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم مع المحبّة يجب على العبد أن يكون خائفًا من الله راجيًا له راغبًا راهبًا، إن نظر إلى ذنوبه وعدل الله وشدّة عقابه خشي ربّه وخافه، وإن نظر إلى فضله العام والخاص وعفوه الشّامل رجا وطمع، إن وُفِّق لطاعة رجا من ربّه تمام النِّعمة بقبولها، وخاف من ردّها بتقصيره في حقِّها، وإن ابتلي بمعصية رجا من ربّه قبول توبته ومحوها وخشي بسبب ضعف التّوبة والالتفات للذّنب أن يعاقب عليها، وعند النّعم والمسارّ يرجو الله دوامها والزيادة منها والتوفيق لشكرها، ويخشى بإخلاله بالشكر من سلبها، وعند المكاره والمصائب يرجو الله دفعها وينتظر الفرج بحلّها، ويرجو أيضًا أن يثيبه عليها حين يقوم بوظيفة الصبر، ويخشى من اجتماع المصيبتين فوات الأجر المحبوب، وحصول الأمر المكروه إذا لم يوفّق للقيام بالصبر الواجب. فالمؤمن الموحّد ملازم في كل أحواله للخوف والرّجاء، وهذا هو الواجب وهو النّافع، وبه تحصل السعادة، لكن يخشى على العبد من خُلُقين مذمومين: إمّا أن يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله، أو يتجارى به الرّجاء حتى يأمن من مكر الله وعقوبته، ومتى بلغت الحال بالعبد إلى هذا فقد ضيّع واجب الخوف والرّجاء اللّذين هما من أكبر أصول الدّين ومن أعظم واجباته١.

إنَّ الخوف المحمود الصادق هو ما حال بين صاحبه وبين محارم الله، فإذا تجاوز ذلك خيف منه أن يقع صاحبه في اليأس من رَوْح الله والقنوط من رحمة الله، والرّجاء المحمود الصادق هو الرّجاء الذي يكون


١ انظر: القول السديد لابن سعدي (ص:١١٩،١٢٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>