للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والجوارح، "يكون بالقلب خضوعاً واستكانةً [ومحبّة] ، وباللسان ثناءً واعترافاً، وبالجوارح طاعةً وانقياداً"١.

روى ابن أبي الدنيا في كتابه الشكر أنَّ رجلاً قال لأبي حازم سلمةَ ابن دينار: "ما شكرُ العينين يا أبا حازم؟ قال: إن رأيت بهما خيراً أعلنته، وإن رأيت بهما شراًّ سترته، قال: فما شكر الأذنين؟ قال: إن سمعت بهما خيراً وعيته، وإن سمعت بهما شراًّ دفعته، قال: ما شكر اليدين؟ قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقاًّ لله عز وجل هو فيهما، قال: فما شكر البطن؟ قال: أن يكون أسفلُه طعاماً وأعلاه علماً، قال: ما شكر الفرج؟ قال: كما قال الله عز وجل: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ} ٢، قال: فما شكر الرجلين؟ قال: إذا رأيت ميتاً غبطته استعملت بهما عمله، وإن رأيت ميتاً مقتّه كمقتهما عن عمله وأنت شاكرٌ لله عز وجل، فأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجلٍ له كساءٌ فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر"٣.

إنَّ نعمة الله على عبده في لسانه ويده وقدمه وجميع بدنه لا يمكن أن تحصى، وكلُّها تستوجب شكرَ المنعم بها، قال عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم رحمه الله: "الشكر يأخذ بحزم الحمد وأصله وفرعه، فلينظر


١ مدارج السالكين لابن القيم (٢/٢٤٦) .
٢ سورة المؤمنون، الآية (٥ ـ ٧) ، وسورة المعارج، الآية (٢٩ ـ ٣١) .
٣ الشكر لابن أبي الدنيا (رقم:١٢٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>