وقد ورد في هذا المعنى أحاديثُ عديدة، وحاصل معناها أنَّ الدعاءَ مِن قَدَرِ الله عزَّ وجلَّ؛ إذ إنَّه سبحانه قد يقضي بالأمر على عبدِه قضاءً مقيَّداً بأن لا يدعوه، فإذا دعاه اندفع عنه، وفي هذا دلالةٌ على أنَّ الدعاءَ من أعظم الأسباب التي تُنال بها سعادة الدنيا والآخرة، خلافاً لبعض المتصوِّفة الذين يعتقدون أنَّ الدعاءَ لا تأثيرَ له في حصول مطلوبٍ ولا دفع مرهوبٍ، وإنَّما هو مجرَّدُ عبادةٍ محضةٍ، وأنَّ ما حصل به يحصل بدونه، ولا يقول هذا مَن عَرَفَ قدرَ الدعاء، " ولهذا أُمر الناسُ بالدعاءِ والاستعانَةِ وغيرِ ذلك مِن الأسباب، ومَن قال: أنا لا أدعو ولا أسألُ اتِّكالاً على القَدَرِ كان مخطئاً؛ لأنَّ اللهَ جعلَ الدعاءَ والسؤالَ من الأسباب التي ينال بها مغفرتُه ورحمتُه وهداه ونصرُه ورزقُه، وإذا قدَّر للعبد خيراً يناله بالدعاءِ لَم يَحصل بدون الدعاء، وما قدَّره اللهُ وعَلِمَه من أحوالِ العباد وعواقبِهم فإنَّما قدَّره الله بأسبابٍ يسوقُ المقاديرَ إلى المواقيت، فليس في الدنيا والآخرة شيء إلاَّ بسبب، والله خالقُ الأسباب والمسبَّبَات "١.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: " أساسُ كلِّ خيرٍ أن تعلَم أنَّ ما شاء اللهُ كان وما لَم يشأ لَم يكن، فتيقَّن حينئذٍ أنَّ الحسناتِ مِن نِعمه فتشكرَه عليها وتتضَرَّعَ إليه أن لا يقطعَها عنك، وأنَّ السيِّئاتِ مِن خذلانِه وعقوبتِه، فتَبْتَهِلَ إليه أن يَحُولَ بينك وبينها، ولا يَكِلَكَ في فعلِ الحسنات وترك السيِّئات إلى نفسِك، وقد أَجْمع العارفون على أنَّ كلَّ