للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ينقص ألبتة، كما قال تعالى: {مَا عِندَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللهِ بَاقٍ} ١، فإنَّ البحرَ إذا غُمس فيه إبرة ثمَّ أُخرجت لَم تُنقص من البحر بذلك شيئاً، وكذلك لو فُرض أنَّ عصفوراً شرب منه فإنَّه لا يُنقص البحر ألبتة، وهو سبحانه إذا أراد شيئاً من عطاءٍ أو عذاب أو غيرِ ذلك قال له: كن فيكون، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ٢، وقال سبحانه: {إَنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} ٣، فكيف يُتصوَّر فيمن هذا شأنُه أن ينقص ما عنده أو ينفد، ولقد أحسن مَن قال:

لا تخضعنَّ لمخلوق على طمع ... فإنَّ ذاك مُضرٌّ منك بالدِّين

واسترزق الله مِمَّا في خزائنه ... فإنَّما هي بين الكاف والنون٤

إنَّ العبدَ محتاجٌ إلى الله في كلِّ شؤونِه، ومفتقرٌ إليه في جميعِ حاجاتِه، لا يستغني عن ربِّه ومولاه طرفة عين ولا أقلَّ من ذلك، وأما الربُّ سبحانه فإنَّه غنيٌّ حميدٌ، لا حاجة له بطاعات العباد ودعواتهم، ولا يعود نفعُها إليه، وإنَّما هم الذين ينتفعون بها، ولا يتضرَّرُ بمعاصيهم وإنَّما هم الذين يتضرَّرون بها، ولهذا قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاءُ إِلَى اللهِ وَاللهُ هُوَ الغَنِيُّ الحَمِيدُ إِن يَشَأْ يُذْهِبُكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا


١ سورة النحل، الآية: (٩٦) .
٢ سورة يس، الآية: (٨٢) .
٣ سورة النحل، الآية: (٤٠) .
٤ انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب (ص:٢١٤ ـ ٢١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>