ولهذا نجد أنَّ الصحابةَ رضي الله عنهم بادروا إلى إنكار تخصيص هيئات معيَّنة للأذكار والأدعيةِ أو أوقات معيَّنة أو نحو ذلك ممَّا لَم يرِد به الشرعُ ولم تثبت به السنةُ، ومِن ذلكم إنكارُ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على أولئك النفر الذين تحلَّقوا في المسجد وفي أيديهم حصًى يُسبِّحون بها ويُهلِّلون ويُكبِّرون بطريقة مُحدَثةٍ وصفةٍ مبتدعةٍ، لَم تكن موجودةً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبادرهم بالإنكار ونهاهم عن ذلك أشدَّ النهي، وبيَّن لهم خطورةَ ذلك وسوءَ مغَبَّتِه عليهم، روى الإمام الدارمي رحمه الله بإسنادٍ جيِّد عن عمرو بن سلمة الهمداني قال: " كنّا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة، فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخَرَج إليكم أبو عبد الرحمن بعدُ؟ قلنا: لا، فجلس معنا حتى خرج، فلمّا خرج قُمنا إليه جميعاً، فقال له أبو موسى: يا أبا عبد الرحمن! إنّي رأيتُ في المسجد آنفاً أمراً أنكرتُه، ولَم أَرَ والحمد لله إلا خيراً، قال: فما هو؟ فقال: إن عِشْتَ فستراه، قال: رأيت في المسجد قوماً حِلَقاً جلوساً ينتظرون الصلاةَ، في كلِّ حَلْقَةٍ رَجلٌ، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبِّروا مائة! فيكبّرون مائة، فيقول: هلِّلوا مائة! فيهلِّلون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة! فيسبّحون مائة، قال: فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئاً انتظارَ رأيِك قال: أفلا أمرتَهم أن يَعُدّوا سيئاتهم وضَمنتَ لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء. ثمَّ مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم، فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نَعُدُّ به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدّوا