للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كشف ضرِّه أو جلب نفعه أو شفاءَ مرضه أو نحو ذلك، فقد وقع في أعظمِ أنواع الاعتداء في الدعاء وأشدِّها خطراً، ولهذا قال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ الله مَن لاَ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ} ١، وحاصلُ كلام المفسرين في معنى هذه الآية أنَّ الله تعالى حكم بأنَّه لا أضلُّ مِمَّن يدعو من دون الله مَن لا يستجيب له إلى يوم القيامة، ومعنى الاستفهام في الآية إنكارُ أن يكون في الضُلاَّل كلِّهم أبلغُ ضلالاً مِمَّن عبَد غيرَ الله ودعاه، حيث يترك دعاء السميعِ المجيبِ القدير، ويدعو مِن دونه الضعيفَ العاجزَ الذي لا قدرة له على الاستجابة، كما قال تعالى: {لَهُ دَعْوَةُ الحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى المَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ} ٢، فهذا أخطرُ أنواع الاعتداء في الدعاء وأشدُّها ضرراً.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فهؤلاء أعظمُ المعتدين عدواناً، فإنَّ أعظم العدوان الشرك وهو وضع العبادة في غير موضعها، فهذا العدوان لا بدَّ أن يكون داخلاً في قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُعْتَدِينَ} "٣.

وأيُّ اعتداءٍ أعظم وأشدُّ من هذا، أن يَصرفَ العبدُ حقَّ الله الخالص الذي لا يجوز أن يُصرف لأحدٍ سواه إلى مخلوقٍ لا يَملكُ لنفسه ضرًّا


١ سورة الأحقاف، الآية: (٥) .
٢ سورة الرعد، الآية: (١٤) .
٣ مجموع الفتاوى (١٥/٢٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>