للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جليلةٌ، وفضيلة له نبيلة، وأنّه بما يقع منه من ذكر الله عز وجل في حياةٍ ذاتيةٍ وروحيّةٍ لما يغشاه من الأنوار، ولما يصل إليه من الأجور، كما أنّ التارك للذِّكر وإن كان في حياةٍ ذاتيةٍ فليس لها اعتبارٌ بل هو شبيه بالأموات"١.

لقد جعل النبيُّ الكريمُ صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بيت الذَّاكر بمنزلة بيت الحيّ، وبيت الغافل بمنزلة بيت الميِّت وهو القبر، وفي اللّفظ الأوّل جعل الذّاكر نفسه بمنزلة الحيّ، والغافل بمنزلة الميِّت، فتضمّن الحديثُ بمجموع لفظيه أنّ القلب الذّاكر كالحيِّ في بيوت الأحياء، والقلب الغافل كالميّت في بيوت الأموات، وعلى هذا فإنّ أبدان الغافلين قبورٌ لقلوبهم، وقلوبهم فيها كالأموات في القبور، ولهذا قيل:

فنسيان ذكر الله موت قلوبهم ... وأجسامهم قبل القبور قبورُ

وأرواحهم في وحشة من جسومهم ... وليس لهم حتى النشور نشورُ

وقيل:

فنسيان ذكر الله موت قلوبهم ... وأجسامهم فهي القبور الدوارسُ

وأرواحهم في وحشة من حبيبهم ... ولكنها عند الخبيث أوانسُ٢

ولهذا صحّ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم النهيُ عن جعل البيوت قبورًا، أي: لا يصلّى فيها ولا يذكر فيها الله تعالى. ففي الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم ولا تتّخذوها قبوراً"٣.


١ تحفة الذاكرين (ص:١٥) .
٢ انظر: مدارج السالكين لابن القيم (٢/٤٢٩،٤٣٠) .
٣ صحيح البخاري (رقم:٤٣٢) ، وصحيح مسلم (رقم:٧٧٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>