لله، ويكون الحاكم عليه في أموره كلّها هو ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يتقدّم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل.
الثاني: ضد هذا وهو القلب الميّت، الذي لا حياة به فهو لا يعرف ربّه ولا يعبده ولا يمتثل أمره ولا يفعل ما يحبّه ويرضاه، بل هو واقفٌ مع شهواته ولذّاته، ولو كان فيها سخطُ ربِّه وغضبُه، فهو متعبِّدٌ لغير الله حبًّا وخوفًا ورجاءً ورضًا وسخطًا وتعظيمًا وذلاًّ، إن أحبَّ أحبَّ لهواه، وإن أبغض أبغض لهواه، وإن أعطى أعطى لهواه، وإن منع منع لهواه، فهو آثَرُ عنده وأحبُّ إليه من رضا مولاه، فالهوى إمامه، والشهوة قائده، والجهل سائقه، والغفلة مركّبة.
الثالث: قلب له حياة وبه علّة، فله مادّتان تُمدُّه هذه مرّة، وهذه تُمدُّه أخرى، وهو لما غلب عليه منهما، ففيه من محبّة الله تعالى والإيمان به والإخلاصِ له والتوكّلِ عليه ما هو مادة حياته، وفيه من محبّة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها، ومن الحسد والكبر والعجب وحب العُلُوِّ ما هو مادة هلاكه وعَطَبِه.
فالقلب الأوّل حيٌّ مخبتٌ ليِّنٌ، والثاني يابسٌ ميِّت، والثالث مريض فإمّا إلى السلامة أدنى وإمّا إلى العطب أدنى، وعلى هذا فإن القلب لكي تبقى له حياتُهُ وتزول عنه غفلتُهُ وتتم له استقامتُهُ محتاجٌ إلى ما يحفظ عليه قوتَه وهو الإيمان وأوراد الطاعات والمحافظة على ذكر الله، والبعدُ عن كلّ ما يسخطه تبارك وتعالى، ولا سعادة للقلب ولا لذّة ولا نعيم ولا صلاح إلاّ بأن يكون اللهُ وحده إلهه وفاطره ومعبوده وغاية مطلوبه، وأحبّ إليه من كلِّ ما سواه، فبهذا تكون نجاة القلب من الغفلة وسلامته من الهلَكة، وبهذا تسري فيه الحياة، والتوفيق بيد الله وحده.