للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمَّ إنَّ الذنوبَ سببٌ لهوانِ العبد على ربِّه، وإذا هان العبدُ على الله لَم يكرمه أحد، كما قال تعالى: {وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُكْرِمٍ} ١، وأكرمُ الخلق عند الله أتقاهم له، وأقربُهم منه منزلة أطوعُهم له، وعلى قدر طاعة العبدِ تكون منزلته عنده، فإذا عصاه هان عنده، وأوجب ذلك القطيعةَ بين العبد وبين مولاه، وإذا وقعت القطيعةُ انقطعت عن العبد أسبابُ الخير واتصلت به أسبابُ الشرِّ، فأيُّ فلاح، وأيُّ رجاء، وأيُّ عيش لِمَن انقطعت عنه أسبابُ الخير وقُطع ما بينه وبين وليِّه ومولاه الذي لا غنى له عنه طرفةَ عين ولا أقل من ذلك.

ثمَّ إنَّ الذنوبَ تستدعي نسيانَ الله لعبدِه وتركَه وتخليتَه بينه وبين نفسه وشيطانه، وهناك الهلاكُ الذي لا يُرجى معه نجاة، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ وَلاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} ٢، فأمر سبحانه بتقواه ونهى أن يتشبَّه عبادُه المؤمنون بِمَن نسيَه بتركِ تقواه، وأخبر أنَّه عاقب مَن ترك التقوى بأن أنساه نفسه، أي: أنساه مصالحَها وما يُنجيها من عذابه، فترى العاصي مهمِلاً مصالح نفسه، مضيِّعاً لها، قد انفرطت عليه مصالحُ دينه ودنياه، بل إنَّ أمورَه تتعسَّرُ عليه، فلا يتوجَّه لأمرٍ إلاَّ يجده مُغلَقاً دونَه أو متعسِّراً عليه، وهذا كما أنَّ مَن اتَّقى اللهَ جعلَ له من أمرِه يُسراً،


١ سورة الحج، الآية: (١٨) .
٢ سورة الحشر، الآيات: (١٨، ١٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>