يعظم قدرُه١، قال العلاَّمة ابن القيم - رحمه الله - في شرح هذا الحديث وبيان ما فيه من لطائف جليلةٍ ومعارف عظيمة:"وهذا يُسمَّى الذِّكرُ المضاعف، وهو أعظمُ ثناءً من الذِّكر المفرد، وهذا إنَّما يظهرُ في معرفة هذا الذِّكر وفهمه، فإنَّ قولَ المسبِّح: "سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ عَدَدَ خَلْقِهِ" تضمَّن إنشاءً وإخباراً: تضمَّن إخباراً عمّا يستحقُّه الرَّبُّ من التسبيح عددَ كلِّ مخلوق كان أو هو كائنٌ إلى ما لا نهايةَ له، فتضمَّن الإخبارَ عن تنزيههِ الرّبَّ وتعظيمه والثناءِ عليه هذا العددَ العظيمَ، الذي لا يبلغهُ العادُّون، ولا يُحصيه المُحصون.
وتضمَّن إنشاءَ العبدِ لتسبيحٍ هذا شانُه، لا أنَّ ما أتى به العبدُ من التسبيح هذا قدرُه وعددُه، بل أخبر أنَّ ما يستحقُّه الرَّبُّ سبحانه وتعالى من التسبيح هو تسبيحٌ يبلغ العددَ الذي لو كان في عدد ما يزيد عليه لذَكره، فإنَّ تجدُّدَ المخلوقات لا ينتهي عدداً، ولا يُحصَى الحاضر.
وكذلك قوله "ورضا نفسه"، وهو يتضمَّن أمرَين عظيمَين:
أحدهما: أن يكون المرادُ تسبيحاً هو في العظمة والجلال مساوٍ لرضا نفسه، كما أنَّه في الأول مخبرٌ عن تسبيحٍ مساوٍ لعدد خلقه، ولا ريبَ أنَّ رضا نفس الرَّبِّ أمرٌ لا نهاية له في العظمة والوصف، والتسبيحُ ثناءٌ عليه سبحانه يتضمّن التعظيم والتنزيه، فإذا كانت أوصافُ كماله ونعوتُ جلاله لا نهايةَ لها ولا غاية، بل هي أعظمُ من ذلك وأجلُّ، كان الثناءُ عليه بها كذلك؛ إذ هو تابِعٌ لها إخباراً وإنشاءً، وهذا المعنى ينتظمُ المعنى الأول من غير عكس.