للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله: "إنَّك تقضي ولا يقضى عليك" فيه التوسل إلى الله سبحانه بأنَّه يقضي على كلِّ شيء، لأنَّ له الحكمَ التامَّ والمشيئةَ النافذةَ والقدرة الشاملة، فهو سبحانه يقضي في عباده بما يشاء ويحكم فيهم بما يريد، لا رادَّ لحُكمه ولا معقب لقضائه، وقوله: "ولا يقضى عليك" أي: أنَّه سبحانه لا يقضي عليه أحدٌ من العباد بشيء، فالعباد لا يحكمون على الله، بل الله سبحانه هو الذي يحكم عليهم بما يشاء ويقضي فيهم بما يريد.

وقوله: "إنَّه لا يذل من والَيت ولا يعز من عاديت" هذا كالتعليل لما سبق في قوله: "وتولَّني فيمن توليت"، فإنَّ الله سبحانه إذا تولَّى العبدَ فإنَّه لا يَذِلُّ، وإذا عادى العبدَ فإنَّه لا يَعِزُّ، ولا يُطلب نيلُ العز، والوقايةُ من الذل إلاَّ منه سبحانه، {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} ١.

وقوله: "تباركت ربنا وتعاليت" معنى تباركت أي تعاظمتَ يا الله، فلك العظمةُ الكاملة والكبرياء التام، وعظُمَت أوصافُك وكثرت خيراتُك وعمَّ إحسانُك.

وقوله: "وتعالَيت" أي: أنَّ لك العلوِّ المطلق ذاتاً وقدراً وقهراً، فهو سبحانه العَليُّ بذاته، قد استوى على عرشه استواءً يليق بجلاله وكماله، والعليُّ بقَدْره، وهو علوُّ صفاته وعظمتُها، فإنَّ صفاته عظيمةٌ، لا يماثلها ولا يقاربها صفةُ أحد، والعليُّ بقهره حيث قَهَرَ كلَّ شيء، ودانت له الكائناتُ بأسرها، فجميع الخلق نواصيهم بيده فلا يتحرك منهم متحرِّك ولا يسكن ساكن إلاَّ بإذنه.


١ سورة: آل عمران، الآية (٢٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>