للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكرب بالتوحيد، ودعوةُ ذي النون التي ما دعا بها مكروب إلاَّ فَرَّجَ الله كُرَبَه بالتوحيد، فلا يُلقي في الكرب العظام إلاَّ الشِّركُ، ولا ينجي منها إلاَّ التوحيد، فهو مَفزَعُ الخليقة ومَلجَؤُها وحِصنُها وغايتُها، وبالله التوفيق"١ اهـ.

وقد مر معنا أحاديثُ دالَّة على هذا المعنى، أوَّلُها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما وكلُّه توحيدٌ وتمجيدٌ لله عز وجل، وترديدٌ لكلمة التوحيد لا إله إلاَّ الله، مقرونة بما يدلُّ على عظمة الله وجلاله وكماله وربوبيَّته للسَّموات والأرض وللعرش العظيم، فقد انتظمت هؤلاء الكلمات أنواعَ التوحيد الثلاثة: توحيد الربويبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، فإذا قالها المسلم مُتَأَمِّلاً لمعانيها متفَكِّراً في دلالاتها سكن قلبُه، واطمأنت نفسُه، وزال عنه كَرْبُه وشدَّتُه، وهُديَ إلى صراط مستقيم.

وثانيها: حديث أسماء بنت عُميس رضي الله عنها، حيث أرشدها النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أن تَفزَع في الكَرْب أو عند الكرب إلى التوحيد، الذي ما دُفعت عن العبد الشدائد ولا زالت عنه الكُرُبات بمثله، وقد شدَّ صلوات الله وسلامه عليه انتباهها لهذا الأمر وشَوَقَّها إلى معرفته، وهيَّأ نفسَها لتَلَقِّيه؛ بأن طَرَح عليها استفهاماً مُشَوِّقاً "ألاَ أعلِّمُكِ كلمات تقولينَهنَّ عند الكَرب أو في الكرب"، وما من ريب أنَّ نفسَها قد تاقت لمعرفة هؤلاء الكلمات، فأرشدها صلى الله عليه وسلم أن تقول: "اللهُ اللهُ ربِّي لا أُشرك به شيئاً"، وهي كلمةُ إخلاص وتوحيد.

وقوله: "اللهُ اللهُ" هو بالرَّفع فيهما، على أنَّ الأوَّلَ مبتدأ والثاني تأكيد لفظي له، إشارةً إلى عِظَم المقام وأهمية الأمر، وخبر المبتدأ هو قوله: "ربِّي"،


١ الفوائد (ص:٩٥ ـ ٩٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>