للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السبب العاشر: تجريدُ التوحيد والترحل بالفكر في الأسباب إلى المسبِّب العزيز الحكيم، والعلم بأنَّ كلَّ شيء لا يَضُرُّ ولا ينفع إلاَّ بإذن الله، قال الله تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} ١، وقال النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عباس رضي الله عنهما: " واعْلم أنَّ الأمَّةَ لو اجتمعوا على أن ينفعوك لَم ينفعوك إلاَّ بشيء كتبه الله لَكَ، ولو اجتمعوا على أن يَضُرُّوك لَم يَضُرُّوك إلاَّ بشيء كتبه الله عليك" ٢، فإذا جرَّد العبدُ التوحيدَ فقد خَرَجَ من قلبه خوفُ ما سواه، وكان عدوُّه أهونَ عليه من أن يَخافه مع الله، بل يُفرِدُ اللهَ بالمخافة، ويَرى أنَّ إعمالَه فكره في أمر عدوِّه وخوفه منه واشتغاله به من نقص توحيده، وإلا فلو جَرَّد توحيدَه لكان له فيه شغل شاغل، والله يتولَّى حفظَه والدفعَ عنه، فإنَّ الله يدافعُ عن الذين آمنوا، فإن كان مؤمناً فالله يدافع عنه ولا بدَّ، وبحسب إيمانه يكون دفاعُ الله عنه، فإن كمُلَ إيمانُه كان دفاعُ الله عنه أتَمَّ دفع، وإن مزج مزج له، وإن كان مرَّة ومرة فالله له مرَّة ومرَّة، كما قال بعض السلف: "مَن أقبلَ على الله بكليَّتِه أقبلَ الله عليه جُملة، ومَن أعرَضَ عن الله بكليَّته أعرض الله عنه جملة، ومن كان مرَّة ومرَّة فالله له مرَّة مرة".

فالتوحيدُ حصنُ الله الأعظم الذي مَن دخلَه كان من الآمنين، قال بعض السلف: "مَن خاف اللهَ خافه كلُّ شيء، ومن لَم يَخَفِ الله أخافه اللهُ من كلِّ شيء".

فهذه عشرةُ أسباب عظيمة يندفعُ بها شَرُّ الحاسد والعائن والسَّاحر٣، ونسأل الله الكريم أن يقيَنا والمسلمين من الشُّرور كلِّها إنَّه سميع مجيب.


١ سورة: يونس، الآية (١٠٧) .
٢ سنن الترمذي (رقم:٢٥١٦) ، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الجامع (رقم:٧٩٥٧) .
٣ انظر بدائع الفوائد لابن القيم (٢/٢٣٨ ـ ٢٤٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>