للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم دخل على أمِّ السائب أو أمِّ المسيّب رضي الله عنها، فقال: "مالك يا أمَّ السَّائب أو أمَّ المسيب تُزَفْزِفِين (أي: تَرعدين) قالت: الحمَّى لا باركَ اللهُ فيها، فقال: لا تَسُبِّي الحُمَّى، فإنَّها تُذهبُ خطايَا بَنِي آدم كما يُذهبُ الكِيرُ خَبَثَ الحديد"١.

وروى البخاري في الأدب المفرد عن سعيد بن وهب قال: "كنتُ مع سَلمان وعاد مريضاً في كِنْدَة فلمَّا دخل عليه قال: أَبشِر، فإنَّ مرضَ المؤمن يَجعلُه الله له كفارةً ومستعتبًا، وإنَّ مرضَ الفاجر كالبعير عَقله أهلُه ثمَّ أرسلوه، فلا يدري لَم عُقل ولِم أُرسِل"٢.

فبَشَّرَه، وذكَّره بأنَّ المصائبَ التي تُصيبُ المؤمنَ في بدنه كلَّها كفارات لخطاياه، كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "ما يصيبُ المسلمَ من نَصب ولا وَصَب ولا هَمٍّ ولا حزن ولا أَذًى ولا غَمٍّ، حتى الشَّوكة يُشاكُها إلاَّ كَفَّرَ اللهُ بها من خطاياه "٣.

وقوله: "ومستعتباً" أي: أنَّه في مرضه يَتَهيَّأ له من استذكار ذنوبه ومعرفة خَطئه وتقصيره ما لا يتهيَّأ له حالَ صحَّته وعافيته، وحينئذ يكون مرضُه سبباً لمعاتبة نفسه على التقصير، ودافعاً للرجوع عن الإساءة وطلب الرضا، هذا بالنسبة للمؤمن، أمَّا الفاجر فشأنُه عند ما يَمرض كشأن البعير الذي قيَّده أهلُه بالعقال ثم أطلقوه، فهو لا يدري لِمَ قُيِّد ولِمَ أُطلِق، فهو


١ صحيح مسلم (رقم:٢٥٧٥) .
٢ الأدب المفرد (رقم:٤٩٣) ، وصحَّحه الألباني ـ رحمه الله ـ في صحيح الأدب (رقم:٣٧٩) .
٣ صحيح البخاري (رقم:٥٦٤٢) ، وصحيح مسلم (رقم:٢٥٧٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>