للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالشمسُ والقمرُ هما من جملة النِّعم التي تفضَّل الله بها على عباده ومَنَّ بها عليهم، وجعلهما سبحانه دائِبَيْن أي: مُستمِرَّيْن لا يفتران يسعيان لمصالح الإنسان من حساب الأزمنة ومصلحة الأبدان والحيوان والزروع والثمار، وجعلهما سبحانه يجريان بحساب متقن وتقدير مقدَّر لا يتخلَّفان عنه علواً ولا نزولاً، ولا ينحرفان يميناً ولا شمالاً، ولا يتغيَّران تقدُّماً ولا تأخُّراً، كما قال سبحانه: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} ١، وقال تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} ٢.

ثمَّ إنَّ الشمسَ والقمرَ آيتان من آيات الله، ومخلوقان من مخلوقاته ينجليان بأمره وينكسفان بأمره، فإذا أراد الله تعالى أن يخوِّف عباده من عاقبة معاصيهم وذنوبِهم كسفهما باختفاء ضوئهما كلِّه أو بعضِه؛ إنذاراً للعباد وتذكيراً لهم لعلَّهم يرجعون ويتوبون ويُنيبون، فيقومون بما أمرهم به ربُّهم، ويتركون ما حرَّمه عليهم، كما قال تعالى: {وَمَا نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً} ٣، وفي هذا دلالة على كمال قدرة الله سبحانه، حيث إنَّه سبحانه قادرٌ على تحويل الأشياء وتبديل الأمور وتصريف الخلائق كيف شاء، ومن ذلك تغيير حال الشمس والقمر من النور والوضاءة إلى السواد والظلمة، والله على كلِّ شيء قدير.


١ سورة: الرحمن، الآية (٥) .
٢ سورة: يس، الآيات (٣٨ ـ ٤٠) .
٣ سورة: الإسراء، الآية (٥٩)

<<  <  ج: ص:  >  >>