للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه بحقّ مصمت لا ثقب فيه، وفي جوفها مئة ياقوتة، فانبرت للحقّ دودة تكون اليوم في الخشب فثقبته بأسنانها، وذلك أنّها قالت للرسل: سلوه أن يثقبه بغير حديد، وأهدت إليه درّة على عظم البيضة لم يكن في ذلك العصر مثلها، وكانت غير مثقوبة، فقالت للرسل (١): سلوه أن يثقبها بغير حديد، فانبرت دودة حمراء تكون في الماء، فقالت: يا نبي الله، أنا أثقبها على أن تسأل الله أن يجعل رزقي في الماء، قال: ذلك لك، فثقبتها بأسنانها، وأرسلت إليه بدرّة لها ثقب معوج، وقالت للرسل: سلوه أن يدخل في الثقب خيطا، فانبرت دودة فقالت: أنا أدخل فيها خيطا على أن تسأل الله أن يجعل رزقي في الفواكه، قال: ذلك لك، فلوت خيطا على رأسها، ودخلت في ذلك الذي في الدرّة تتخلّل حتى خرجت من الجانب الآخر، فلما أتته الهدية قال: {أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ. . .} [النمل:٣٦] إلى قوله: {وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْها أَذِلَّةً وَهُمْ صاغِرُونَ} [النمل:٣٧]، فلما ردّ عليها الهدية (٢) عزمت على إتيانه وقالت لقومها (٣): إنّي صائرة إليه، وممتحنة إيّاه بمسائل، فإن أصابها فهو نبيّ، ولا طاقة لنا به، وإن كان ملكا عزمنا على محاربته، فسارت إليه في مئة وعشرين رجلا من عظماء قومها، ومع كلّ واحد منهم مئة رجل من حشمه وغلمانه، وبلغ سليمان توجّهها إليه، فعند ذلك قال: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِها} [النمل:٣٨]. قال الشعبي:

فسألت ابن عباس رضي الله عنه عن الذي عنده علم الكتاب، قال: كان ذلك آصف، وكان يعرف اسم الله الأعظم، فقال سليمان: (٢٤٩ و) {نَكِّرُوا لَها عَرْشَها} [النمل:٤١]، فجعلوا مكان الذهب فضة، ومكان الفضة ذهبا، وكذلك بدّلوا الجواهر، ونزلت بلقيس على علوة من معسكر سليمان عليه السّلام، ورأت ما أعطي سليمان من عظم الملك، فتقاصر إليها ملكها، وأقامت ثلاثة أيّام لا تبرح مكانها، فقال لها قومها: ألا تأتين هذا الملك فتنظري ما عنده؟ قالت: أنا صائرة إليه اليوم لأعرف كنه أمره، قالوا: وبم تعرفين ذلك؟ قالت: إنّ الملوك لا يجلس إليهم إلا بإذنهم، فإن أمرني بالجلوس إليه فإنّه ملك، وأمره هيّن، وإن لم يأمرني بالجلوس إليه، ولم ينهني عن القيام فهو نبيّ، ولا طاقة لي به، وسأمتحنه بثلاث مسائل، فإن أصابهنّ لم أشك في نبوّته، وإن لم يصبهنّ علمت أنّه ملك صاحب دولة، وإنّ سليمان عليه السّلام أمر الجنّ فبنوا عن يمين مجلسه وشماله رواقا بلبن الذهب، مفروشا به، وتركوا من فرشه موضع لبنة، ثم أقبلت ومعها خادم لها على عنقه لبنة من ذهب لتجلس بلقيس عليها، فلمّا دخلت الرّواق فأبصرت ما أبصرت، ونظرت إلى موضع اللّبنة التي ليست بمكانها، كرهت أن


(١) ع: إلى الرسول، وأ: للسل.
(٢) (قال: أَتُمِدُّونَنِ بِمالٍ. . . . . . فلما ردّ عليها الهدية) ساقطة من ع.
(٣) الأصول المخطوطة: لقومه.

<<  <  ج: ص:  >  >>