للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يظنّ القوم أنّ اللبنة المنزوعة التي هي معها، وأمرت الخادم بوضع اللّبنة التي كانت معها في ذلك الموضع، فاستوى فرش الرحبة بتلك اللّبنة، ثمّ وقفت أمام (١) سليمان، فحيّته بتحية الملوك، وقامت ساعة لا يأمرها بالجلوس، ولا ينهاها عن القيام، ثم رفع طرفه إليها، وقال: يا هذه، إنّ الأرض بساط الله، وإنّ العباد عباد الله، فمن شاء فليقم، ومن شاء فليقعد، فقعدت أمامه على كرسيّ من ذهب، والإنس على يمين سليمان والجنّ على شماله، ما يلفظ أحد منهم بكلمة، ونظرت إلى عرشها، فأنكرته، فقيل لها: {أَهكَذا عَرْشُكِ قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل:٤٢]، فقال لها سليمان: أمة الله، أدعوك إلى توحيد الله وتعظيمه، وخلع ما تعبدين من دونه ليكون لك ما لنا وعليك ما علينا، فإن أبيت فأذني بحرب من الله ورسوله، ولن تعجزيهما، فقالت: قد فهمت مقالتك أيّها الملك، ولست أعرف كنه (٢) أمرك أنك نبيّ أم ملك؟ وإنّي سائلتك عن ثلاثة (٣) أمور، فإن أخبرتني بها علمت أنك نبيّ، ودخلت في دينك، وإن لم تعرفها علمت أنك ملك ثم أنظر في محاربتك ومسالمتك، قال: سلي ما بدا لك لأخبرك بما يوحي إليّ فيه ربّي، قالت: أخبرني عن شبه الولد بأبيه وآخر بأمّه، وائتني بماء ليس من أرض ولا سماء (٤)، وصف لي صفة ربّك لأعرفه؟ فقال: أما صفة الولد وشبهه فإنّ نطفة المرأة إذا سبقت نطفة الرجل أشبه الولد أمّه، (٢٤٩ ظ) وإذا سبقت نطفة الرجل نطفة المرأة أشبه الولد أباه، وأمّا الذي سألت أن ليس من أرض ولا سماء، فإنّي آتيك به الساعة، فأمر رضّة (٥) الخيل، فأجروا الخيل حتى عرقت، فملؤوا من ذلك العرق قلّة، فأتوها بها، فأمّا الثالثة، قالت: فأخبرني عن المسألة، قال:

حتى يوحى إليّ فيها، فأوحى الله تعالى إليه أنّي قد أنسيتها المسألة الثالثة، فقل لها: ما كانت مسألتك الثالثة؟ قالت: ما سألتك غير هاتين المسألتين، وقد أجبت عنهما، وأنا ناظرة يومي هذا في أمري، وعادية (٦) عليك غدا بما أرى (٧)، ثم قامت فيمن كان معها من عظماء قومها، فانصرفت إلى معسكرها، فجمعت إليها من كان معها فقالت: إنّ هذا الرجل نبيّ مكرّم، فما الذي ترون؟ قالوا: أنت أفضلنا رأيا، فافعلي (٨) ما بدا لك وفيه صلاحك وصلاح قومك، قالت: قد رأيت أن أسأله وأدخل في طاعته؛ لئلا يستبيح بلدتي، ولا يسبي الذراري، ولا يقتل


(١) ع: أيام.
(٢) أ: لأنه.
(٣) ع: ثلاث، وكلمة أمور ساقطة من ع.
(٤) ساقطة من أ.
(٥) رضة الأكلة أو الشربة التي ترضّ العرض، أي: تسيله إذا أكلتها أو شربتها. لسان العرب ٧/ ١٥٤.
(٦) أ: وعبادته.
(٧) ع: لديّ.
(٨) ساقطة من أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>