للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٩٢ - قوله: {لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ:} قال الكلبيّ: منسوخة بآية الزكاة (١)، وليس كذلك؛ لأنّه لا تنافي بينهما إذ الزكاة إنفاق من بعض المحبوب.

و (البرّ) ههنا الجنّة عن السدّي (٢)، وعن عطاء أشرف مراتب التقوى (٣)، وقيل (٤): البرّ:

الخير.

٩٣ - {كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ:} نزلت ردّا على اليهود حيث أنكروا النّسخ وادّعوا أنّ المحظورات كلّها لم تزل كذلك من لدن آدم إلى يومنا هذا، وزعموا أنّ موسى لم يأت بتحريم حادث ولا تحليل إلا في ما اختلفت العقول فيه، فكذّبهم الله وأخبر أنّ الكلّيّات كلّها كانت حلاّ لبني إسرائيل إلا ما حرّمها إسرائيل نذرا، ثمّ حرّم عليهم بعض الطيّبات عقوبة لهم، وكانوا كلّما أذنبوا ذنبا عظيما حرّم عليهم رزق طيّب أو سلّط عليهم الطاعون (٥).

والقصّة في نذر إسرائيل أنّه اشتكى عرق النسا فنذر إن شفاه الله لا يأكل لحوم الإبل وألبانها لو خامتهما وإضرارهما عند ملاومتهما، وكان من أحبّ الطعام إليه (٦).

ووجه القربة فيه أنّه مخالفة لهوى النّفس الأمّارة بالسّوء (٧) وقهر لها. ووجه جوازه من ذات نفسه أنّ الأنبياء عليهم السّلام كانوا يجتهدون بإذن الله تعالى، يدلّ عليه حكم داود وسليمان عليهما السّلام في الحرث، وكان حكم سليمان (٨) يفهم لا محالة، وحكم داود ممّا يسوغ الاجتهاد في مقابلته لمثله، وكذلك (٩) قبل نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم الفداء بالمشاورة والاجتهاد ولم يقتل أسارى بدر وفيه نزل: {لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ} الآية [الأنفال:٦٨]، وأذن للمخلّفين في غزوة تبوك باجتهاده حتى نزل: {عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ [لَهُمْ]} [التّوبة:٤٣]، وافتتح الصوم بشهادة الواحد (١٠) على سبيل التحري والاجتهاد، وإنّما توقّف وانتظر الوحي في أحكام لم يكن للاجتهاد إليها سبيل، وقوله: {وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى} (٣) [النّجم:٣] لا ينفي الاجتهاد؛ لأنّ الاجتهاد ليس بهوى، وقوله: {إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى} (٤) [النّجم:٤] خاص في القرآن


(١) ينظر: تفسير القرآن الكريم ٢/ ١٠٧، وتفسير البغوي ١/ ٣٢٥.
(٢) ينظر: تفسير الطبري ٣/ ٤٦٩، والتبيان في تفسير القرآن ٢/ ٥٣٠، والمحرر الوجيز ١/ ٤٧١.
(٣) ينظر: تفسير البغوي ١/ ٣٢٥، ومجمع البيان ٢/ ٣٤٢، وزاد المسير ٢/ ٣.
(٤) ينظر: تفسير البغوي ١/ ٣٢٥، وزاد المسير ٢/ ٣، والتفسير الكبير ٨/ ١٣٤.
(٥) ينظر: الكشاف ١/ ٣٨٥ - ٣٨٦، والتفسير الكبير ٨/ ١٣٦ - ١٣٧.
(٦) ينظر: معاني القرآن للفراء ١/ ٢٢٦، وتفسير القرآن ١/ ١٢٦، وتفسير القرآن الكريم ٢/ ١٠٩.
(٧) في ك: بالسواء.
(٨) ليس في ك.
(٩) في ك: ولذلك.
(١٠) في ك: الصوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>