للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العهد والميثاق {وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا} قال: فإنّي أشهد عليكم السّموات السّبع والأرضين السّبع وأشهد عليكم أباكم آدم {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ:} لم نعلم بهذا، اعلموا أنّه لا إله غيري ولا ربّ غيري فلا تشركوا بي شيئا فإنّي سأرسل إليكم رسلي يذكّرونكم عهدي وميثاقي، وأنزل عليكم كتبي، قالوا: {شَهِدْنا:} بأنّك إلهنا وربّنا (١) لا ربّ لنا غيرك ولا إله لنا غيرك، فأقرّوا له (٢) يومئذ بالطّاعة.

ورفع عليهم أباهم آدم فنظر إليهم فرأى الغنيّ والفقير وحسن الصّورة ودون ذلك، فقال:

ربّ لو سوّيت بين عبادك، فقال: إنّي أحببت أن أشكر، ورأى فيهم الأنبياء مثل السّرج عليهم النّور وخصّوا بميثاق آخر في الرّسالة والنّبوّة وهو الذي يقول الله عزّ وجلّ: {وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ} الآية [الأحزاب:٧]، وهو الذي يقول: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها} [الرّوم:٣٠]، وفي ذلك قال: {هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى} (٥٦) [النّجم:٥٦]، أي: أخذ عليه الميثاق مع النّذر الأولى (٣)، وفي ذلك: {وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} [الأعراف:١٠٢]، وفي ذلك قال: {فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ} [يونس:٧٤]، فكان في علمه يوم أمروا به من يكذّب ومن يصدّق به.

قال: فكان روح عيسى عليه السّلام من تلك الأرواح التي أخذ الله عليها العهد والميثاق من زمان آدم عليه السّلام، فأرسل [الله] (٤) ذلك الروح إلى مريم حين انتبذت من أهلها مكانا شرقيّا فحملته، أي: فحملت الذي خاطبها (٥) وهو روح عيسى عليه السّلام، دخل في فيها (٦).

وروي في إخراج الذّرّيّة من صلب آدم عليه السّلام أمثال الذّرّ روايات كثيرة عن ابن عبّاس، وإلى هذا القول ذهب أكثر أهل السّنّة، قالوا: أخرج ذلك اليوم أولاد صلبه من صلبه، وأولاد أولاده من أولاده، وأولاد أولادهم من أولادهم، وكذلك إلى انقطاع النّسل، وكانوا أقلّ وأصغر وأخفى من الذّرّ لا محالة، فإنّ الذّرّ مركّب من أجزاء كثيرة فلا شكّ أنّهم كانوا أصغر وأخفى حين كانوا كمنا إلاّ أنّ الله تعالى أنماهم بعد (١٢٧ و) الإخراج كما شاء فجعلهم أرواحا كما قال أبيّ، وأمثال الذّرّ كما قال ابن عبّاس، فأسمعهم وبصّرهم وأنطقهم بمشهد أبيهم آدم


(١) في ك: ومولانا.
(٢) ساقطة من ب. وينظر: زاد المسير ٣/ ١٩٣، والدر المنثور ٣/ ١٤٢.
(٣) (وفي ذلك قال. . . مع النذر الأولى) ليس في ع.
(٤) من ك.
(٥) في ب: خاطبته.
(٦) ينظر: الدر المنثور ٣/ ١٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>