للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنزل على موسى، ياليتني فيها جذعاً أكون حيّاً حين يخرجك قومك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أو مخرجيَّ هم؟ فقال ورقة: نعم، لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزَّرا. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم - فيما بلغنا - حزنا غدا منه مرارا كي يتردّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدَّي له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقاً. فيسكن لذلك جأشه، وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غداً لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدَّى له جبريل، فقال له مثل ذلك" (١).

وقد أوضح هذا الحديث أن (اقرأ) هي أول ما نزل من القرآن، وأن الرسول فوجئ بالوحي دون أن يتوقعه فراعه الموقف، كما يوضح الحديث موقف خديجة رضي الله عنها في تطمينه ومساعدته على معرفة كنه الحدث، كما يبين قدر معلومات ورقة عن الأنبياء وتنبهه للأخطار التي ستحدق بالنبي، لكن ورقة مات قبل تتابع الوحي، وقد انقطع الوحي مدة، ويوضح بلاغ الزهري الأزمة التي تعرض لها الرسول لانقطاع الوحي، وإنه كاد يتردَّى من شواهق الجبال، وأن جبريل عليه السلام كان يظهر له في كل مرة ويبشره بأنه رسول الله، ولكن بلاغ الزهري لا يصلح لإثبات الحادث لتعارضه مع عصمة النبي (٢). ثم إنه مرسل


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الحيل، باب التعبير (٨/ ٦٧) ومواضع أخرى (انظر فتح الباري لابن حجر ١٢/ ٣٥١ - ٣٥٢، ١/ ٢٢، ٨/ ٧١٥، ٧٢٢ وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الإيمان، باب بدء الوحي ١/ ١٣٩).
(٢) ساق البخاري الخبر بعد عبارة - فيما بلغنا - متخللة حديث بدء الوحي الذي رواه بسنده من طريق (معمر قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة) ولولا عبارة (فيما بلغنا) لصار خبر محاولة التردي من الشواهق صحيحاً، ولكن ابن حجر ذهب إلى أنه بلاغ مرسل وليس موصولاً من رواية عروة عن عائشة (فتح الباري ١٢/ ٣٥٩ - ٣٦٠) ومراسيل الزهري ضعيفة. وقد أورد الطبري الخبر من مرسل الزهري (تاريخ الطبري ٢/ ٣٠٥) ويدل صنيع الذهبي في سوق سند حديث بدء الوحي مع اقتصاره على متن خبر محاولة التردي من شواهق الجبال على أنه يرى وصل الحديث (السيرة النبوية للذهبي ٦٤). كذلك وصله الطبري في تاريخه ٢/ ٢٩٨ - ٢٩٩ من =

<<  <  ج: ص:  >  >>