وجرت مناقشات مستفيضة حول تاريخ تشريع صلاة الخوف ومعظمها مبني على محاكمة المتن.
وقد كشف الخطابي عن نسخ تحريم وادي وج بالطائف بناء على محاكمة المتن.
وهذه الموضوعات يمكن مراجعتها في مظانها من هذا الكتاب فهي نماذج مستقاة منه.
وهناك نماذج أخرى لا يتسع المقام لسردها، ولكن لا بد من الاعتراف بحقيقة تاريخية وهي أن القرون الثلاثة الأولى انصب فيها جهد المؤرخين على جمع الروايات وتدوينها وتصنيفها في الكتب، مع قدر من الانتقاء، يتضح من المقابلة بين المؤلفات ومصادرها الأقدم، حيث يُسقط المتأخر مجموعة من روايات المتقدم، كما فعل ابن هشام مع ابن إسحق، والطبري مع مصادره الأولية.
ورغم أن الانتقاء نفسه يمثل عملاً نقدياً إلا أن الجهد الضخم الذي بذل في تثبيت الروايات وحفظها في الكتب استنفد طاقة الأوائل من المؤرخين، وقام المتأخرون منهم بدور التلخيص لأعمال الأوائل والتذييل عليهم.
وتبرز في مؤلفات متأخرة محاكمات دقيقة للمتون كما يتضح ذلك بجلاء لمن يطلع على (البداية والنهاية) لابن كثير و (فتح الباري) للحافظ ابن حجر في شرحه لقسم المغازي من صحيح البخاري، ولكن ذلك لا يعني أن نقد المتن تم بنفس التوسع الذي فازت به نصوص التاريخ الأوروبي في القرنين التاسع عشر والعشرين، بعدما اكتملت مناهج النقد التاريخي، ولكن هل من الإنصاف أن تُقَوَّمَ جهود القدامى بمقاييس حديثة هي من منجزات التقدم العلمي في كل ميدان عبر عدة قرون؟!
ومع ذلك فإن تقويم العقلية النقدية عند علماء المسلمين القدامى ينبغي ألا يتم من خلال الكتب التاريخية وحدها، وإنما ينظر إلى جملة النتاج الفكري في الفقه والفقه المقارن (كتب أحاديث الأحكام) فلا شك أن كتب الفقه ركزت