على المتون تركيزاً عظيماً تفسيراً وتوضيحاً وإعراباً واستنباطاً. ومن الواضح أن عمل المحدثين والفقهاء يتكامل، فلا بد للمنصف أن يعترف بأن السنة النبوية نالت عناية عظيمة ومتوازنة من قبل العلماء المسلمين.
وتتضح في كتب أصول الفقه المحاكمات الدقيقة للمتون التي تكشف عن عقلية نقدية فذة، وإذا كان المؤرخون القدامى معظمهم له جهود في حقول العلوم الإسلامية الأخرى، فإن الحكم عليهم ينبغي أن يكون من خلال تقويم جملة نتاجهم الفكري مع مراعاة عنصر الزمن حتى لا يغمطوا حقهم من التقويم.
وأيضاً لا بد من توضيح أن الجانب النظري لنقد المتن كان متبلوراً إلى حد كبير منذ القرون الأولى في كتب مصطلح الحديث كما في أقسام المدرج والمعلل والمضطرب والشاذ والمنكر والموضوع وغيرها مما يدور الكلام فيها على نقد الأسانيد والمتون معاً، ولكن القصور كان في تطبيق ذلك عملياً عند التعامل مع الرواية التأريخية التي لم تحظ بنفس القدر من النقد الذي حظيت به الأحاديث النبوية.
ولابد أيضاً من الإشارة إلى الموقف من المعجزات النبوية وإثباتها حيث أن للرسول صلى الله عليه وسلم معجزات كثيرة وإن كان القرآن معجزته الدائمة الباقية.
إنَّ إثبات المعجزة الخالدة (القرآن الكريم) ونفي بقية المعجزات الثابتة بالنقل الصحيح إنما هو في الحقيقة خضوع وانصياع للفكر المادي والفلسفات الوضعية، ولا بد للمسلم من الاستعلاء والاعتزاز الذي يحقق له الاستقلال التام في النظر والبحث العلمي. ومن ثم فإن هذا البحث عُنِيَ بإثبات المعجزات جميعها عندما تثبت بالنقل الصحيح.
وقد اهتم البحث بالإشارة إلى الأحكام الفقهية وتاريخ تشريعها، لأن التاريخ للسيرة ينبغي أن يعني بالجانب التشريعي الذي يحتكم إليه المجتمع ويوضح الضوابط الخلقية والقانونية التي تحكم حركة الأفراد والجماعات ولا يمكن الفصل بين الجانب السياسي والعسكري والجانب الخلقي والتشريعي