خاصة في القرون الأولى من تاريخ الإسلام حيث تتشابك العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية بالعقيدة والشريعة تشابكاً وثيقاً بحيث يصعب فهم حركة التاريخ في تلك المرحلة دون فهم روح الإسلام ومبادئه.
وقد لاحظ البحث إعطاء مساحة مناسبة لحركة الفرد إلى جانب الحركة الجماعية فمن خلال بعض الشخصيات تظهر ملامح وأبعاد الحركة التاريخية لقوة فاعليتهم وأثرهم في دفع عجلة التاريخ، فليس من الصحيح إهمال أخبار الأبطال التاريخيين بحجة أنهم مجرد دمى في حركة المجتمع الواسعة. ولكن هؤلاء الأفراد لم يبرزوا لمجرد تفوقهم وامتيازهم على أقرانهم ووجود الاستعداد عندهم، إذ ما كانت هذه السمات المميزة لتظهر لولا العقيدة التي مست شغاف قلوبهم وأوقدت وهجاً منيراً في عقولهم وبصيرة عميقة في نفوسهم، فكان أن حدث التغيير الكبير في بناء الشخصية العربية ومقوماتها، وهذا الفهم سيعطي الفضل الأكبر للعقيدة ويمنع الانزلاق نحو تمجيد "الفردية" والإغراق في غرس نزعة الاستعلاء والغرور. ويكفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم وهو بطل الأبطال كان ينحني لله تعالى ويخشع بالدعاء ويرد إليه الفضل أولاً وآخراً في كل نصر وفتح.
ولا يجد القارئ أي اهتمام بالرد على الشبهات التي أثارتها بعض الدراسات الحديثة في موضوعات السيرة وخاصة دراسات المستشرقين سواء كانت نتيجة تعسف في تفسير النصوص والأحداث بسبب الأهواء الدينية والعنصرية أو بسبب سوء فهم للغة العربية أو للإسلام وأحكامه ونظمه ومقاصده، وذلك لأن هذا المؤلَّف قصد إِلى رسم معالم السيرة بصورة صحيحة، وهو جانب إيجابي يستحق أن يُفْرَد فيه مصنف، ولا يعني ذلك التقليل من أهمية تصحيح الأخطاء سواء كانت عفوية أم مقصودة، وقد نهضت بهذا العبء دراسات أخرى في الموضوع، وإن كنت أعتقد أن الاهتمام بالتاريخ الإسلامي ينبغي أن ينصب أولاً على إعادة البناء قبل تناول الشبهات.