للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنحى إلى الشجرة فاضطجع تحتها، فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله.

ثم استأخر عني فقال: اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه، فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة.

فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال: زوجك في هذه القرية - وكان أبو سلمة بها نازلاً - فادخليها على بركة الله. ثم انصرف راجعاً إلى مكة.

قال فكانت تقول: والله ما علمت أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة. وما رأيت صاحباً قط أكرم من عثمان بن طلحة" (١).

وقد سقت الخبر بطوله لما فيه من دلالة على الصعوبات التي واجهها المهاجرون، وهي تشير إلى أثر العصبية في اتخاذ العشائر القرشية مواقفها من الأحداث. فقد انحاز قوم أبي سلمة إليه رغم مخالفتهم له في العقيدة، ثم إن الخبر يكشف عن صورة من صور المروءة التي عرفها المجتمع القرشي قبل الإسلام تتمثل في موقف عثمان بن طلحة وتطوعه في مصاحبة المرأة وإحسان معاملتها مما يدل على سلامة الفطرة التي قادته أخيراً إلى الإسلام بعد صلح الحديبية، ولعل إضاءة قلبه بدأت منذ تلك الرحلة مع المرأة المسلمة.

وثمة صورة تاريخية لحدث آخر هو هجرة عمر بن الخطاب كما حدَّث بها بنفسه قال: "اتعدت لما أردنا الهجرة إلى المدينة أنا وعيَّاش بن أبي ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل السهمي، التناضب من أضاءة بني غفار فوق سرف (٢)،


(١) سيرة ابن هشام ١/ ٤٦٩ - ٤٧٠ من رواية ابن إسحاق بإسناد صالح للاعتبار فيه سلمة بن عبد الله بن عمر بن أبي سلمة مقبول، ولم أجد له متابعاً، وقد تفرد بتوثيقه ابن حبان (البخاري: التاريخ الكبير ٤/ ٨٠ وابن أبي حاتم: الجرح والتعديل ٤/ ١٦٦ وابن حبان: الثقات ٦/ ٣٩٩ وابن حجر: تهذيب التهذيب ٤/ ١٤٨ - ١٤٩ وتقريب التهذيب ٢٤٨). وعلى أية حال فهو خبر تاريخي لا يتعلق بالعقيدة أو الشريعة ورد من طريق صالحة لإثبات الحدث تاريخياً.
(٢) التناضب: ضرب من الشجر، وأضاءة بني غفار على عشرة أميال من مكة، والأضاءة: الغدير (الروض الأنف للسهيلي ٤/ ١٨٨ - ١٩٠) وسرف: وادٍ من أودية مكة دخل في العمران حالياً.

<<  <  ج: ص:  >  >>